‏أمام التقارب بين ‎حفتر وموسكو.. أيّ حظوظ لأمريكا وأوروبا في بوابة إفريقيا ليبيا؟

تثير التحركات العسكرية الروسية في ليبيا مخاوف الجبهة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي، حيث تشير تقارير إلى أن موسكو تقوم بنقل عناصر ومعدات إلى أحدث مركز لها في البحر الأبيض المتوسط، وتسعى إلى زيادة تأثيرها وتصعيد الحرب الاستراتيجية مع خصومها في مناطق شمال وغرب إفريقيا.

وفي تقرير نشرته مجلة “نيوز ويك” الأمريكية، فإن الحضور الروسي المتزايد يمثل خطرًا على الاتحاد الأوروبي، خاصة إذا تمكنت موسكو من فرض سيطرتها على طول الساحل الليبي، وهو ما يهدد أوروبا بموجات هجرة غير قانونية قد تكون ورقة ضغط فعالة. من جهة أخرى تستهدف موسكو ميناء طبرق لتعزيز نفوذها في العمق الإفريقي.

الفيلق الافريقي يرث ‎فاغنر

تحدث تقرير للمجلة الأمريكية عن مساعي روسيا منذ الإطاحة بنظام القذافي عام 2011 إلى البحث عن موطئ قدم لها في ليبيا بهدف الولوج إلى القارة السمراء، ثم عززت موسكو حضورها في إفريقيا من خلال ليبيا عبر تمويل القيادة العامة في بنغازي، وشهدت السنوات الأخيرة تقاربا بين قائد “القيادة العامة” والكرملين حيث زار خليفة حفتر موسكو للمرة الأولى عام 2023 للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وكانت مجموعة فاغنر الروسية قد نشطت في ليبيا بقيادة الخبير الروسي السابق في المخابرات أندريه أفيريانوف منذ عام 2019 بضوء أخضر من “القيادة العامة”. و تتزايد نشاطاتها في ليبيا ومنها إلى إفريقيا تحت مسمى جديد “الفيلق الإفريقي” بتوجيه من الكرملين.

وفي هذا السياق، أفادت وكالة نوفا الإيطالية أن روسيا أرسلت خلال الأسابيع الأخيرة ما لا يقل عن 1800 جندي من “الفيلق الإفريقي” إلى ليبيا للقيام بأدوار داخل ليبيا وفي دول إفريقية أخرى، يتمركزون بشكل رئيسي في برقة وفزان وعدد من المناطق التي تسيطر عليها قوات خليفة حفتر.

كما أكد تيم إيتون الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “معهد تشاتام هاوس” البريطاني أن العمل غير المنتظم بين “القيادة العامة” في بنغازي و”فيلق إفريقيا” انتقل إلى مرحلة متطورة وهي التنسيق على أعلى مستوى بين القيادات في البلدين.

وأوضح الباحث أن ليبيا تمثل جسراً برياً لموسكو للولوج إلى مناطق تمركز تخول لها ضمان مصالحها في البحر الأبيض المتوسط والدول الصحراوية غير المستقرة التي شهدت اضطرابات سياسية في الأعوام الأخيرة أدت إلى لجوء بعض حكوماتها إلى روسيا لمواجهة التأثير الفرنسي والأمريكي.

مواجهة الدب الروسي

رفعت الحرب الروسية الأوكرانية الغطاء عن الصراع المتصاعد بين موسكو وواشنطن على الصعيد العالمي، والذي امتد ليصل إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا.

ويشير محللون في تقارير إعلامية متواترة إلى وجود مخاوف حقيقية للانتشار الروسي في سواحل شرق وجنوب المتوسط (سوريا، ليبيا)، مشددين على ضرورة اتباع حلف الناتو لسياسة توازن الردع في منطقة جنوب المتوسط لوقف التمدد الروسي.

واعتبر الباحث إيتون أن ليبيا تمثل نقطة ضعف للحلفاء الغربيين، وأن أمريكا تخشى إنشاء قاعدة عسكرية روسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

من جهته دعا المحلل السياسي والباحث بمركز “أتلانتك كاونسل” ألب سيفيمليسوي، إلى التعجيل في إنشاء قيادة عسكرية مستقلة تابعة لحلف شمال الأطلسي تتولى إدارة مصالح الحلف في البحر الأبيض المتوسط والتصدي لروسيا ومواجهتها في بحر البلطيق.

وشدد سيفيمليسوي على ضرورة نشر قوات تابعة لحلف شمال الأطلسي في المناطق التي تتمدّد فيها روسيا، وتوسيع مشاركة الأسلحة في المنطقة البحرية المتوسطية خارج إيطاليا وتركيا اللتين تستضيفان الترسانة العسكرية للحلف.

“أمينتوم” في ليبيا ردا على “فاغنر”

في لعبة المصالح الجيوسياسية على الأراضي الليبية كان للاعب الروسي السبق في فرض وجوده وضمان مصالحه في شرق ليبيا بتمركز قواته أولا ثم في خطوة أخيرة تكوين أشبه ما يكون بتحالفات رسمية مع “القيادة العامة”، ليأتي الجواب الأمريكي متأخرا في غرب البلاد عبر شركة “أمنتوم للخدمات العسكرية والأمنية” لضمان مصالحها في البحر الأبيض المتوسط والمنافسة على الجنوب الليبي المطل على الساحل الإفريقي.

اليقظة الأمريكية تأتي في وقت تشهد فيه أذرع روسيا العسكرية تمددا ملحوظا في مقابل تراجع الدور الأوروبي في القارة الجارة، وتشتت جهود القارة البيضاء بين الحرب في أوكرانيا والحرب في فلسطين وما خلقته أزمة الهجرة غير القانونية من تصدع بين دول التحالف.

أمنتوم وإن كان وجودها غير واضح في بداية وصولها إلى ليبيا، غير أن تقارير محلية تشير إلى أنها بموجب اتفاق مع رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة لتوفير التدريب لمجموعات مسلحة عدة في طرابلس وخاصة ثلاثة ألوية مسلحة لها نفوذها وسيطرتها وهي اللواء 444 واللواء 111 واللواء 166 وتهدف التدريبات وفق الرواية الأمريكية إلى توحيد هذه التشكيلات المسلحة وتكليفها بتأمين الحدود وعمليات نزع السلاح وتعمل شركة أمنية أمريكية على تشكيل الفيلق “الليبي_الأوروبي” في غرب البلاد. وفق الموقع الاستخباراتي الفرنسي أفريكا أنتجلينس.

وفي وقت سابق اجتمعت قيادة الشركة الأمريكية مع قادة عسكريين من شرق ليبيا معارضين لحفتر في قاعدة أبوستة البحرية لمواجهة الفيلق الروسي ومن أجل التجهيز للفيلق الأروروبي الليبي.

حرب التصريحات

في سياق متصل السفير الروسي لدى ليبيا ينفي نية بلاده تأسيس أي قاعدة عسكرية دائمة في ليبيا وأن موسكو تتعاون فقط مع “القيادة العامة” بهدف إنهاء الأحادية القطبية.

وزارة الخارجية الأمريكية وعلى لسان متحدثها الرسمي لـوكالة نوفا الإيطالية، اعتبرت أن فاغنر زعزعت استقرار ليبيا واستخدمتها كمنصة لزعزعة الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي ويدعمون قوات حفتر، لذلك نتوقع أنه سيتم نشرهم في المناطق الخاضعة لسيطرته

وترجح أمريكا أن مجموعة فاغنر تستخدم ليبيا مركزا لوجستيا لعملياتها في إفريقيا ويتواصل ذلك مع الكيان الجديد أو التسمية الحديثة للمجموعة “الفيلق الإفريقي”.

وتحاول أمريكا مؤخرا جرّ حلفائها في الغرب لمقارعة الدب الروسي لضمان مصالحها في إفريقيا في مواجهة تزايد النفوذ العسكري لخصمهم المشترك في البحر الأبيض المتوسط، وبوابة القارة الإفريقية ومواطن الثروات الطبيعية ليبيا.

أخبار ذات صلة

في أكتوبر الوردي.. ارتفاع نسب الإصابة بسرطان الثدي في ليبيا

الدولار بين المد والجزر.. ومخاوف من تفاقم الأزمة

قطر تتوسط لإنهاء الخلاف بين المشري وتكالة