تشهد مناطق الاشتباكات في طرابلس هدوءا نسبيا عقب ليلتين من الاشتباكات الدائرة منذ يوم الاثنين بين مجموعات مسلحة، أسفرت وفقا لمصادر طبية عن سقوط 27 قتيلا وإصابة أكثر من 106 آخرين.
ووقعت الاشتباكات بعد قيام جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة باحتجاز آمر اللواء 444 محمود حمزة أثناء توجهه إلى مدينة مصراتة، ما أدى إلى رد فعل غاضب من قوات تابعة لحمزة، اندلعت على إثرها الاشتباكات في مناطق متفرقة من طرابلس.
وتركزت الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة في أطراف طرابلس بمناطق عين زارة وسوق الجمعة ومحيط جامعة طرابلس، كما أفاد شهود عيان بسماع دوي انفجارات وسقوط قذائف في عدة مناطق، في وقت نشرت فيه مقاطع فيديو للاشتباكات وحركة المسلحين.
وفي أعقاب المواجهات، أصدر رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي تعليماته لجهاز الردع، بإحالة آمر اللواء 444 محمود حمزة لرئاسة الأركان العامة للجيش الليبي، وبصفته القائد الأعلى للجيش، وَجَّهَ المنفي رئاسة الأركان والأجهزة الأمنية والعسكرية بعدم التحرك والتقيُّد بالأوامر وضرورة وقف إطلاق النار، على أن يُشكِّل وزير الدفاع لجنة للتحقيق في الأحداث، حسبما أفاد مصدر خاص لمنصة فواصل.
كما جرى اجتماع بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة وأعيان سوق الجمعة، ما أسفر عن اتفاق بتسليم آمر اللواء 444 محمود حمزة إلى جهة أمنية محايدة، والأمر بوقف الاشتباكات.
وبناء على هذا الاتفاق، كلف الدبيبة وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي ورئيس الأركان العامة بطرابلس محمد الحداد، بالتدخل لفض الاشتباكات في طرابلس، ونشر عناصر أمنية من الشرطة، والعمل على استتباب الأمن، والتنسيق مع مركز طب الطوارئ والدعم والجهات ذات العلاقة.
كما أكد جهاز الردع لمنصة فواصل تسليم قائد اللواء 444 محمود حمزة إلى جهاز الدعم المركزي كجهة محايدة، على أن يجري التحقيق معه.
وبعد تصاعد الاشتباكات مساء الثلاثاء، أصدر المجلس الأعلى للدولة الليبي بياناً استنكر فيه بأشد العبارات الاشتباكات الدامية التي شهدتها العاصمة طرابلس، محذراً من تداعياتها الخطيرة على المدنيين وداعياً جميع الأطراف إلى ضبط النفس وحل الخلافات بالطرق السلمية والحوار.
أما مجلس النواب الليبي فقد أصدر بياناً استنكارياً آخر، معرباً عن إدانته وشجبه الشديدين للاشتباكات المسلحة في العاصمة، محملاً حكومة الوحدة الوطنية المسؤولية الكاملة عما يجري، وداعياً جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار فوراً.
وعلى الصعيد الدولي، أدانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بشدة الاشتباكات، معربة عن قلقها العميق إزاء التطورات الأمنية ومذكرة الأطراف بضرورة حماية المدنيين. كما حثت على وقف التصعيد واحترام رغبة الشعب في السلم والاستقرار.
وقال المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي: “أحث كل الأطراف على وقف تصعيد العنف واحترام مطالب الشعب من أجل السلام والاستقرار”، وأضاف أن “الأحداث تذكرنا بضرورة التوصل لاتفاق يمهد الطريق للانتخابات وتوحيد مؤسسات الدولة”.
وأدانت السفارة الأمريكية بشدة الاشتباكات الدامية في العاصمة طرابلس، داعية جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتجنيب المدنيين ويلات الحرب. كما حثت على العودة الفورية إلى الحوار لحفظ الاستقرار.
كما أصدرت السفارتين البريطانية والفرنسية بياناً مماثلاً أعربتا فيه عن بالغ قلقهما إزاء تصاعد العنف، داعيتين إلى وقف فوري لإطلاق النار من أجل الحفاظ على أرواح المدنيين والمكتسبات الليبية نحو الاستقرار.
وفي سياق متصل، دعا وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني للتهدئة في طرابلس مؤكدا أن بلاده تراقب الوضع عن كثب، ومشددا لنظيرته الليبية نجلاء المنقوش أن أولوية روما هي المحافظة على الاستقرار في ليبيا دون عنف أو تدخل، إلى جانب بدء الطريق نحو إجراء انتخابات ديمقراطية. حسبما ذكر حساب تاياني على تويتر.
وناشدت وزارة الصحة بحكومة الوحدة بشكل عاجل جميع المواطنين والمؤسسات القادرة على التبرع بالدم، لمساندة المستشفيات في إنقاذ حياة المصابين جراء الاشتباكات الدامية. كما أعلن الهلال الأحمر الاستعداد التام لنقل المصابين وتوفير الرعاية الطبية والإخلاء الفوري للمدنيين من المناطق الساخنة.
كما أعلنت رئاسة جامعة طرابلس تعليق الدراسة والامتحانات والعمل الإداري اليوم الثلاثاء على خلفية توتر الأوضاع الأمنية في محيط الجامعة، كما أعلنت وزارة التربية والتعليم تأجيل امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية لهذا اليوم ببلديتيْ سوق الجمعة وعين زارة بسبب الاشتباكات التي تشهدها المدينة.
علاوة على ذلك، تسببت الاشتباكات بتعليق حركة الطيران في مطار معيتيقة الدولي، أكبر مطارات البلاد، كما أعلن الناطق باسم مطار مصراتة الدولي أن عددا من شركات الطيران قامت بنقل طائراتها من مطار معيتيقة الدولي في طرابلس إلى مطار مصراتة، كإجراء احترازي نتيجة لتوترات أمنية بالعاصمة.
ولا تعدّ هذه الاشتباكات جديدة بين القوتين، ففي 28 مايو الماضي شهدت طرابلس اشتباكات استمرت لساعات بين جهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب وبين اللواء 444 على خلفية اعتقال الردع أحد القادة التابعين للواء 444، إلا أن الاشتباكات توقفت بعد وساطات ومساع للتهدئة قادتها أطراف اجتماعية محلية شخصيات سياسية.
ولا تزال راية الفوضى مرفرفة في سماء ليبيا، وخاصة في عاصمتها طرابلس التي تتكرر فيها مشاهد الاشتباكات الدامية بين الفينة والأخرى، مؤرقة بذلك حياة المواطنين ومهددة مسار الاستقرار، استمرار غياب سلطة أمنية موحدة وانتشار السلاح بين المجموعات والتشكيلات المسلحة، يُعد من أبرز العقبات أمام ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار، وتعطيل مسار الانتقال الديمقراطي الذي تصبو إليه الأغلبية من الشعب. فهل تستجيب الأطراف الفاعلة لنداءات وقف إراقة الدماء، وتضافر الجهود لإرساء صرح الدولة المدنية الحديثة؟