بعد الجمود في العملية السياسية الليبية، وطرح باريس لمبادرة فرنسية، والتقارب التركي المصري، والتركي الإماراتي، تسعى أنقرة إلى لعب دور محوري في الوصول إلى تسوية سياسية تقود إلى إجراء الانتخابات وإنهاء الأجسام والمراحل الانتقالية، ويعوّل على هذا التقارب أن ينعكس أثره على معسكري شرق البلاد وغربها، بضغط من حلفاءهم، وخلال زيارته إلى مصر بعد قطيعة وتوتر في العلاقات التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي في القاهرة، في تحول جديد لخريطة التحالفات الإقليمية بشأن الأزمة الليبية، وهو ما قد ينعكس بالتعجيل في الوصول إلى تسوية سياسية تدعمها القاهرة وأنقرة تنهي الصراع في ليبيا.
وفي إشارة على توحيد المواقف واتفاق في وجهات النظر تجاه الوضع في ليبيا يؤكد الرئيس التركي القادم من الإمارات إلى مصر، خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره المصري، أنهما لا يريدان رؤية صراع وفوضى ليبيا، مجددين الدعم الكامل لوحدة وسلامة ليبيا، معلنا أن مصر وتركيا تتصلان بكافة المستويات لضمان السلام والاستقرار في ليبيا، لافتا إلى أن تركيا ومصر تعتزمان التنسيق والتعاون حول القضايا الأفريقية بما فيها ليبيا.
السيسي أكد أنه يتفق مع الرئيس أردوغان على ضرورة تعزيز التشاور بين القاهرة أنقرة حول الملف الليبي، كاشفا التركيز على ضرورة المساعدة على تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية، وتوحيد المؤسسة العسكرية بالبلاد، مبينا أن النجاح في الوصول إلى الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا سيكون مثالا يقتدى به، موضحا أن دول المنطقة هي الأقدر على فهم تعقيداتها وسبل تسوية الخلافات، ومع التقارب المصري التركي ينعكس ذلك على حلفائهما في داخل ليبيا بما يقرّب التوافق ويسير بالبلاد إلى الاستقرار، وتوّج اللقاء بإعلان رئيسي الدولتين عزمهما ترأس الاجتماعات المقبلة لمجلس التعاون الاستراتيجي الرفيع المستوى، وأن المجلس سيجتمع بالتناوب كل عامين في تركيا ومصر، لتنسيق العمل وإعداد جدول الأعمال لكل اجتماع من قبل وزيري خارجية القاهرة وأنقرة.
سبق جولة أردوغان الإقليمية إلى الإمارات ومصر، تحركات أجراها سفير تركيا لدى ليبيا كنعان يلماز، منذ أواخر العام المنصرم، والتقى فيها قيادات سياسية وعسكرية واقتصادية في شرق البلاد وغربها، تأتي زيارة وزير الخارجية التركي إلى طرابلس، التي اقتصرت على الاجتماع مع المسؤولين في المنطقة الغربية، كان أولها مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي الذي تطرق إلى دور تركيا في دعم استقرار ليبيا للسير نحو الانتخابات، ثم التقى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، وبحث معه ملفات سياسية واقتصادية، مؤكدا أن زيارته ضمن توحيد الجهود لدعم المساعي الدولية لإجراء الانتخابات، وأعقبه لقاء مع رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، لبحث الجهود المحلية والدولية لتسوية الأزمة الليبية.
ولم يفت الوزير التركي تفقّد قيادة مجموعة المهام التركية العسكرية في طرابلس، في إشارة ربما إلى للمنافس الروسي المتمركزة قواته شرق البلاد، وكثرت زيارات نائب وزير دفاعه إلى معسكر الرجمة المدة الأخيرة، ولتأكيد الوجود التركي الموازن للمعادلة العسكرية التي بنيت على الاتفاقية الأمنية التي أبرمتها حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، ما أثار حفيظة الاتحاد الأوروبي تجاهها، والخشية من النفوذ التركي في إفريقيا انطلاقا من ليبيا، كما هو هاجس الاتحاد تجاه الوجود الروسي المنفتح على إفريقيا والذي سلب جزءا من نفوذ فرنسا في منطقة الساحل، ويمثل الوجود التركي لسلطات غرب البلاد القوة الموازنة لتفوق معسكر الرجمة المدعوم من روسيا.
بالتزامن مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإمارات زار رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة الدولة الخليجية قادما من طرابلس مشاركة في القمة العالمية للحكومات، التي احتضنتها إمارة دبي، والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان متطرقا إلى نتائج لقائهما إسطنبول أكتوبر الماضي، ولم يغب الملف السياسي الليبي، ودعم الجهود الدولية لإجراء الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية، وسبل تطوير التعاون الاقتصادي بين أنقرة وطرابلس، وأكد أردوغان أن حكومة الوحدة، هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي يتعامل معها العالم وتركيا، مبديا استعداده لدعم أي حوار يفضي لاستقرار ليبيا، ووصولها للانتخابات دون مراحل انتقالية جديدة، وفقا لمنصة حكومتنا.
وبعد النشاط الدبلوماسي التركي في ليبيا الذي قاده السفير كنعان يلماز أواخر العام الماضي، بدأ ممثلو الدول الغربية وعلى رأسهم مبعوث الولايات المتحدة ريتشارد نورلاند في اجتماعات ولقاءات مع أطراف الصراع الليبي، وتبعه مبعوث وسفير فرنسا الذين قادا تحركات على الساحة الليبية خلصت إلى طرح رئيسهما إيمانويل ماكرون لمبادرة لحل الأزمة الليبية، وهو ما قُرأ على أنه محاولة سد للطريق على التحركات التركية التي تقود دبلوماسيتها تسارعا في التحركات للوصول إلى تقريب وجهات النظر، وما التقارب المصري التركي والتركي الإماراتي كلها تصب في دفع الأطراف الليبية إلى التوافق والتقارب.
قد تنتج تحركات أنقرة ممثلة في الجولة الإقليمية للرئيس التركي أردوغان إلى الإمارات ومصر، انفراجا في الانسداد السياسي، وإمكانية لعب مجلس التعاون الاستراتيجي التركي المصري دورا في التعجيل بتسوية سياسية للأزمة الليبية واردٌ، وهل تُعِدُّ أنقرة إلى مبادرة لجمع الأطراف بعد نقاط التقائها مع خصوم الأمس؟ وأيكون اللقاء الذي سيجمع السيسي أردوغان في أبريل المقبل بأنقرة أحد المفاتيح التي تفك شفرة الانسداد الليبي على التوافق؟ وهل مفاتيح الأزمة الليبية خارجية بعد استعصائها على الحل الداخلي؟