شهدت العلاقات الليبية-التركية تطورًا ملحوظًا في الأيام الأخيرة، مع زيارة كل من رئيس حكومة الوحدة، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس أركان القوات البرية التابعة للقيادة العامة، صدام حفتر، إلى تركيا.
هاتان الزيارتان حملتا رمزية ورسائل متعددة الاتجاهات، وجاءتا في سياق متباين، حيث تعكسان رغبة تركيا في لعب دور محوري في الشأن الليبي من خلال التعامل مع مختلف الأطراف.
ويبدو أن تركيا تسعى لترسيخ نفسها لاعبًا أساسيًا في أي حل مستقبلي للأزمة الليبية، سواء عبر الدعم السياسي أو العسكري، ما يجعل تحركاتها محل متابعة دقيقة من جميع الأطراف المعنية.
زيارة الدبيبة
يعكس لقاء رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي، رغبة تركيا في الحفاظ على قنوات التواصل مع جميع الأطراف الليبية، بما في ذلك الحكومة التي يقودها الدبيبة. يأتي هذا اللقاء في ظل توترات داخلية حول شرعية الحكومة ومستقبلها السياسي.
وتسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في ليبيا من خلال دعم الحكومات المتعاقبة، لا سيما تلك التي تتبنى خطاب التعاون الاقتصادي والسياسي، فيما يأمل الدبيبة في الحصول على دعم لتحسين وضعيته الاستراتيجية، في ظل عدم سيطرته على ملف حقول النفط في الجنوب الغربي خاصة.
زيارة صدام
تشكل زيارة صدام حفتر إلى تركيا منعطفًا في العلاقات بين الجانبين، حيث أن “القيادة العامة” كانت تقليديًا تعارض النفوذ التركي في ليبيا، قبل أن تشهد العلاقات انتعاشة منذ منتصف العام الماضي، مع عودة الشركات التركية إلى المنطقة الشرقية واستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين.
خاص فواصل
ورجحت مصادر لفواصل أن صدام حفتر، قد منح تركيا إنشاء قاعدة في مدينة غات، عقب الزيارة التي قام بها إلى أنقرة، والتي شهدت الاتفاق على عدة بنود مع الجانب التركي، منها بدء المحادثات لشراء معدات عسكرية تركية تشمل الأسلحة والطيران المسيّر، والتدريب على استخدامها.
كما تم التوصل إلى اتفاق بشأن تطوير البنية التحتية لبعض احتياجات القوات البرية، إضافة إلى إقامة تدريبات مشتركة بين القوات البحرية الليبية والتركية في السواحل الشرقية، ومساهمة الجانب التركي في تسريع توحيد المؤسسة العسكرية الليبية من خلال تنسيق مشترك بين المنطقتين الشرقية والغربية.
تعكس هذه الاتفاقيات رغبة تركيا في توسيع نفوذها العسكري في ليبيا، حتى مع الأطراف التي كانت تاريخيًا على خلاف معها.
سيناريو الاستنزاف
إذا استمر الدبيبة وحفتر في اللعب على التناقضات السياسية دون الوصول إلى اتفاق شامل، فسيظل الوضع الليبي عرضة للاستنزاف. وقد تستفيد تركيا من هذا السيناريو عبر تقديم الدعم المالي والعسكري لأطراف مختلفة، ما يمكّنها من الحفاظ على نفوذها دون الانخراط في صراع مباشر.
سيناريو الحرب
في حال فشل الجهود الدبلوماسية، قد تشهد المناطق الوسطى أو الجنوبية تصعيدًا عسكريًا بين الأطراف المتنازعة، مدفوعًا بالصراع على الموارد، خصوصًا النفط، أو بسبب خلافات على توزيع السلطة.
ضغوطات دولية
مع تصاعد الضغوط الدولية لتحقيق الاستقرار في ليبيا، قد يتم التوصل إلى اتفاق دولي جديد يتضمن تشكيل حكومة موحدة، وقد تلعب تركيا دورًا محوريًا في هذا المسار، لا سيما إذا حققت تقدمًا في ملف توحيد المؤسسة العسكرية.
تعقيد المشهد
تعكس زيارتا الدبيبة وصدام حفتر إلى تركيا تعقيد المشهد الليبي وتعدد الجهات الفاعلة فيه، وتسعى تركيا، من خلال تواصلها مع مختلف الأطراف، إلى تعزيز نفوذها السياسي والعسكري، مع الحفاظ على توازن دقيق بين دعم حكومة الدبيبة والتقارب مع “القيادة العامة”.
ورغم أن التحركات التركية تشير إلى رغبة في تحقيق الاستقرار، تبقى السيناريوهات المستقبلية مرتبطة بمدى نجاح الجهود الدبلوماسية في تحقيق توافق ليبي-ليبي حقيقي. ومع ذلك، فإن استمرار الانقسامات قد يؤدي إلى تصعيد جديد، ما يجعل الوضع الليبي عرضة للتغيرات الإقليمية والدولية.
تساؤلات مفتوحة
بالتزامن مع زيارتي الدبيبة وصدام حفتر إلى تركيا في فترة زمنية متقاربة، تُطرح تساؤلات مهمة: هل تنجح تركيا في تحقيق توازن فعلي بين الأطراف الليبية دون إثارة حساسيات جديدة؟ وهل تسير العلاقات بين “القيادة العامة” وأنقرة نحو شراكة طويلة الأمد، أم أنها مجرد تقاطع مؤقت للمصالح؟