تسعى الدول الكبرى إلى تسوية للأزمة الليبية، في ظل المتغيرات في المنطقة، والجمود الذي تعانيه منذ أكثر من عامين، وعقب جولات ممثلي الولايات المتحدة بين الأطراف السياسية شرقا وغربا، يُكشف عن مبادرة فرنسية للخروج من الانسداد في مجرى العملية السياسية، لكن مكان نقاشها لم يكن في الداخل بل في عاصمة الإليزيه، وفي محاولة لاستعادة ماكرون القيادة في إدارة المفاوضات بشأن الأزمة الليبية.
قبيل المبادرة
الموقع الفرنسي (أفريكا أنتيلجنس) قال: إن الدبلوماسية الفرنسية أطلقت هذا الشهر سلسلة واسعة النطاق من المشاورات، بدأتها في باريس مع ممثلي الأحزاب السياسية الليبية، وبلغ المشاركون فيها 30 سياسيا، وصلت المجموعة الأولى في 2 فبراير للمشاركة في المناقشات التي استمرت حتى 7 فبراير، وكان بين المشاركين في المحادثات وزير الصحة الأسبق ناجي بركات، والمرشح لانتخابات 2021 محمد الغويل، ووزير الداخلية الأسبق فوزي عبدالعالي، ونائب وزير الإعلام الأسبق خالد نجم، وعقب هذه المرحلة من المناقشات، من المقرر إجراء مشاورات وإشراك ممثلين عن رجال الأعمال، والمجتمع المدني، للوصول إلى مشتركات تمهد الطريق للتوافق.
وتعليقا على حضوره المشاورات في باريس حول المبادرة الفرنسية، كشف نائب وزير الإعلام السابق خالد نجم، في تصريح لفواصل، أن الزيارة كانت في إطار تقديم مبادرة أعلنتها منظمة صناع السلام، وأن المشاركون فيها بصدد التواصل مع كل الفاعلين الدوليين في المشهد الليبي وتوضيح ماهية هذه المبادرة، مبينا أن المبادرة دعت المنظمة فيها الأحزاب السياسية، وعقدت مؤتمرها الأول والثاني في تونس، وأعلنت عنها وشكلت فريقا للإدارة والتواصل وتقديم واستقبال مقترحات الأحزاب السياسية عنها.
التحشيد الداخلي
وفي ما ظهر أنه تأكيد لما سربه الموقع الاستخباري عن المباردة الباريسية، يلتقي المبعوث الخاص لرئيس فرنسا إلى ليبيا، بول سولير، رفقة سفيرها مصطفى مهراج، مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، وينقلان إليه رسالة من رئيسهما إيمانويل ماكرون يؤكد فيها الأخير ضرورة استمرار الاستقرار في ليبيا، ودعمه لرئيس الرئاسي في محاولة كسر الجمود السياسي، وصولا إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها كل الليبيين دون إقصاء.
ليرد رئيس الرئاسي المنفي على رسالة سيد الإليزيه ماكرون التي تسلمها من المبعوث والسفير الفرنسيين، أن دور دولتهما مهم “ومحوري” في التأثير على أطراف الأزمة السياسية الليبية، كاشفا دعم باريس “غير المحدود” لجهود المجلس الرئاسي تمهيدا لتنظيم انتخابات حرة وشفافة في “المدى القريب”.
ثم التقى المبعوث والسفير الفرنسيان مع النائب في المجلس الرئاسي موسى الكوني، وحملا رسالة من رئيسهما، أكد فيها استمرار اهتمام باريس بالملف الليبي، وعزمها المساهمة في معالجة الانسداد السياسي لضمان تحقيق الاستقرار، من أجل الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي، مؤكدا مواصلة التشاور مع الدول المهتمة بالشأن الليبي والتعاون مع الأطراف السياسية من أجل التوصل لاتفاقات ملموسة تفضي لإجراء انتخابات يرضى بنتائجها المشاركون فيها.
وأكد الكوني استمرار الرئاسي للتوصل لتوافق بالتنسيق مع الدول المهتمة بالشأن الليبي ضمانا لتحقيق الاستقرار، مشددا على حيادية المجلس الرئاسي وتواصله مع جميع الأطراف لمعالجة الانسداد السياسي.
استعادة القيادة
وفي الوقت الذي يخفت فيه صوت البعثة الأممية حول الطاولة الخماسية لرئيسها عبدالله باتيلي، تنشط الدبلوماسية الأوروبية في ليبيا، وخاصة الفرنسية، ويكشف موقع استخباري أسباب تحركات سفير باريس لدى طرابلس، مصطفى مهراج، ومبعوث رئيسها بول سولير، واجتماعاتهم مع سياسيين ومسؤولي مؤسسات المجتمع المدني، كل ذلك تمهيدا لإطلاق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبادرة تجمع الفرقاء الليبيين، وتشمل المباردة إشراك رجال الأعمال، والأحزاب في المفاوضات، لاستئناف العملية السياسية، وإنهاء الانسداد السياسي، والسير نحو الانتخابات، بحسب (أفريكا أنتيلجنس) الفرنسي.
وتأمل باريس بحسب (أفريكا أنتيلجينس) أن تتوج مخرجات مبادرة رئيسها بالتوصل إلى توافق في الآراء حول تشكيل حكومة موحدة، تكون خطوة نحو إجراء انتخابات رئاسية ونيابية، رغم وجود حكومتين متصارعيتن الأولى في طرابلس برئاسة عبدالحميد دبيبة، والأخرى في بنغازي بقيادة أسامة حمّاد، ويرى مسؤولو السياسة الفرنسية أن التقارب إن حدث بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، مع ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة سيمهد لإنجاح مخرجات اللجنة المشتركة عن المجلسين 6+6 ويعيد لباريس دورها القيادي في الملف الليبي بعد غيابها عنه عقب اتهامها بالتورط في دعم الحرب على طرابلس 2018.
ومع كل الجهود في محاولة الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة الليبية بدءا من البعثة الأممية للدعم في ليبيا مرورا بتحركات ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية وليس انتهاء بالمبادرة الفرنسية، هل لدى متصدري المشهد السياسي الرغبة في إجراء عملية انتخابية نزيهة تنهي الأجسام الانتقالية؟