في 13 ديسمبر الماضي، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مرسومًا رئاسيًا بترسيم الحدود البحرية للبلاد مع ليبيا، يقضي بقطع آلاف الكيلومترات المربعة من المنطقة البحرية الليبية.
اتخذت مصر خطوة أحادية الجانب دون تشاور مسبق أو مفاوضات مع الليبيين، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول محتواها وتوقيتها ومبرراتها.
التبرير المصري
لم تثر مصر قط قضية نزاع مع ليبيا على الحدود البحرية، ومن هنا خلق الإعلان المصري صراعًا مع ليبيا لم يكن موجودًا من قبل.
إن قرار القاهرة تجاهل الجانب الليبي بالكامل وغياب حسن النية في تنفيذ الإجراء الأحادي، يتعارض مع روح اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) ، مما يثير تساؤلات قوية حول شرعية مثل هذه الخطوة.
وفي تبرير لهذا الإجراء، أكدت صحيفة الأهرام الموالية للحكومة المصرية، أنها “خطوة وقائية في ظل حالة عدم الاستقرار في ليبيا”.
وجادل آخرون، مثل وزير البترول المصري السابق، بأن الإجراء الأحادي يأتي في سياق الضرورة الملحة للاستفادة من ثروة شرق البحر المتوسط.
بعبارة أخرى، قررت الحكومة المصرية الاستيلاء على جزء من المنطقة البحرية الليبية – حيث يمكن العثور على المزيد من حقول الغاز – بسبب عدم قدرة ليبيا على الدفاع عن نفسها ضد تجاوزات الدول الأخرى وطموحاتها.
اليونان تبارك
على الصعيد الإقليمي، احتفلت اليونان بالقرار المصري بالتعدي على حدود ليبيا البحرية، فعقب الخطوة المصرية اتصل وزير الخارجية اليوناني نيكوس داندياس بنظيره المصري سامح شكري لإبراز أن أثينا والقاهرة تتمتعان بعلاقات متينة ومتناغمة في العديد من القضايا، وأيد الوزير اليوناني علناً قرار السيسي بترسيم الحدود البحرية الغربية للبلاد مع ليبيا من جانب واحد.
اليونان لديها خلافات مع كل من ليبيا وتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط.
زعمت الصحافة اليونانية، أن مرسوم السيسي يبطل آثار اتفاقية ترسيم الحدود التركية الليبية لعام 2019 المودعة لدى الأمم المتحدة.
ورداً على هذه المزاعم التي أثارتها اليونان، نقلت وكالة الأناضول شبه الرسمية عن مصادر دبلوماسية تركية، تأكيدها أن قرار مصر الأحادي بترسيم الحدود الغربية مع ليبيا عبر تسعة إحداثيات جغرافية، “لا يتداخل مع الجرف القاري لتركيا في شرق البحر المتوسط”.
وبحسب ما ورد، حثت السلطات التركية مصر وليبيا على بدء مفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما في أقرب وقت ممكن
ثقب أسود
في عهد السيسي، تحول الاقتصاد المصري إلى ثقب أسود، وقفز إجمالي الدين المصري إلى 392 مليار دولار بنهاية السنة المالية 2020-2021.
لفترة طويلة، كان السيسي يراهن على أن يجبر بعبع الإسلام السياسي، دول الخليج العربي على الحفاظ على تمويلها غير المشروط لنظامه المتعثر، ومع ذلك كانت هناك علامات متزايدة على أن هذه الدول مترددة في تقديم الدعم المالي له في المستقبل، وقد يفسر هذا سبب عدم حضور السعودية والكويت الاجتماع الأخير لقادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن في أبوظبي.
عقد الاجتماع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد في 18 يناير، ويعتقد أنه قد عالج بشكل أساسي مشاكل السيسي الاقتصادية.
ودعماً لهذه الأطروحة، أعلن وزير المالية السعودي في اليوم نفسه، أن بلاده لم تعد مستعدة “لتقديم منح وإيداعات مباشرة دون قيود”.
البحث عن الزيادة
في ظل غياب الدعم المجاني، سيبحث السيسي عن طرق لزيادة موارد البلاد وتقليل احتياجات الناس دون تغيير الطريقة التي تدار بها البلاد لعقد من الزمان.
يأمل الرئيس المصري أن يؤدي المرسوم المتعلق بليبيا إلى صرف انتباه الجمهور عن القنبلة الاقتصادية الموقوتة، وأن يؤدي إلى اكتشاف موارد نفطية وغازية جديدة من شأنها أن تدعم اقتصاد البلاد المنهار.
وفي حين أن السيسي قد يكون قادرًا على تقديم الاستيلاء على جزء من المنطقة البحرية الليبية، إلى الجمهور المصري على أنه انتصار رخيص وسريع، لكن من غير المرجح أن يكون هذا هو الحل لمشاكله الداخلية المتصاعدة، علاوة على أن ذلك سيعقد الأزمة الليبية والعلاقات الليبية المصرية والوضع في شرق البحر المتوسط.