تحالفات دولية جديدة.. السياق والتوقعات

تتجه خارطة التحالفات الدولية والإقليمية مع طرابلس إلى تسويات قد تَطوي صفحات التدخلات السلبية في الشأن الليبي، فروسيا وفرنسا والإمارات وهي الدول الأكثر دعما للحرب في ليبيا سابقا، تتسابق اليوم إلى عقد شراكات اقتصادية في ليبيا، في حين تزيد تركيا وقطر من تعزيز وجودهما.
مع فرنسا
لطالما راهنت فرنسا على الحسم العسكري لحليفها قائد القيادة العامة خليفة خفتر، فمنذ 2014 حتى حربه الأخيرة على طرابلس وفرنسا تدعم جهود. حفتر في رؤيته السياسية والعسكرية.
بعد دخول تركيا على الخط وهزيمة حفتر في طرابلس وجدت فرنسا نفسها مرغمة على التقارب مع طرابلس.
وفي محاولة لتسوية العقود القديمة بين القوات المسلحة الليبية والشركات الفرنسية، بما فيها تفعيل البرامج التدريبية للقوات الليبية حل وفد عسكري يضم ممثلين عن القوات الجوية والبحرية بقيادة مدير إدارة المشتريات في وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية مختار نقاصة، في فرنسا خلال الفترة من 14 إلى 20 أكتوبر الجاري، وعقد سلسلة من الاجتماعات في المكتب العسكري للسفارة الليبية في باريس.
وقبل أيام قليلة أكد السفير الفرنسي الجديد لدى ليبيا مصطفى مهراج قرب افتتاح سفارة بلاده للعمل من طرابلس، لتسهيل منح التأشيرات لليبيين.
وقبيل اعتماد أوراق مهراج سفيرا لفرنسا لدى ليبيا، قرر مجلس الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية التنازل عن حق ليبيا في شراء حصة شركة “هيس” الأمريكية في شركة الواحة وقدرها 8.16%، والسماح ببيعها لشركتي “توتال” الفرنسية و”كونكو فليبس” الأمريكية مناصفةً.
تحالف مع روسيا
على الرغم من وجود قوات فاغنر الروسية التي دعمت حفتر في حربه على العاصمة طرابلس، إلا أن دخول روسيا في حرب طويلة الأمد مع أوكرانيا، قد يشغلها عن حربها القائمة، وربما تسعى الآن لإنهاء سلسلة الدعم الذي وفرته لحليفها السابق حفتر، وتبدأ تطبيع العلاقات مع طرابلس.
ووفقا للموقع الأمريكي” المونيتور” فإن حكومة الوحدة الوطنية وروسيا تواصلان التنسيق لإعادة فتح السفارة الروسية في طرابلس، بأن يبدأ موظفو السفارة العمل أوّلا من فندق إلى حين العثور على مكان آمن لإقامة مقر السفارة الجديد، ما يعدّ ضربة استثنائية لمعسكر حفتر، خاصة مع ورود تقارير تفيد باحتمال تعاوُن موسكو مع أنقرة في مجال استكشاف البترول والغاز في المياه الليبية الإقليمية.
الدور التركي
ما زالت أنقرة تعزز وجودها العسكري في الغرب الليبي، حتى بعد هزيمة حفتر في حربه الأخيرة على طرابلس، إذ كان له دور في وأد قوات حليفها السابق الجويلي التابعة للحكومة المكلفة من النواب برئاسة فتحي باشاغا عند محاولتها دخول طرابلس سبتمبر الماضي.
والتعاون العسكري المتنامي بين أنقرة وطرابلس يَشِي بتحوّل حالة توازن القوى بين أطراف الأزمة، لصالح توازن جديد يدفع في اتّجاه تسوية سياسية.
حاولت تركيا أن تكون سياستها محايدة في ليبيا في الأشهر الأخيرة، حيث أقامت علاقات مع الشرق، بما في ذلك مجلس النواب في طبرق، بعد عامين من الدعم العسكري لطرابلس.
إلا أن توجه وفد تركي ثقيل الوزن إلى طرابلس للتوقيع على مذكرة التفاهم في مجالي الطافة والأمن مع حكومة الوحدة الوطنية هو علامة على أن أنقرة فشلت في الحصول على النتائج المرجوة من تلك السياسة، وتقوم الآن برفع الرهان مرة أخرى. بحسب موقع “المونيتور” الأمريكي.
الإمارات والدبيبة
على النقيض، فالإمارات وهي من الدول العربية المتدخلة في ليبيا دعمت الحرب في طرابلس، ولم تتوقف إمداداتها لحفتر خلال الفترة من 2014 إلى 2020.
قلبت الإمارات ظهر المجن، وفتحت صفحة جديدة، ووجدت في الدبيبة حليفا سياسيا بدلا عن حليفا العسكري السابق.
وعلى الرغم من عدم ارتياح الإمارات في البداية للدبيبة إلا أن عدم تمكينه الفاعلين الإسلاميين بشكل تفضيلي داخل إدارته التنفيذية. أدى ذلك إلى علاقة مزدهرة بين أبو ظبي وطرابلس، وفق مقال تحليلي بموقع مركز أبحاث المجلس الأطلسي بواشنطن.
وقد سعى الدبيبة إلى إحياء صفقات قديمة مع الإمارات في قطاعات الاتصالات والطاقة والبناء، فضلاً عن التفاوض سرًا لوصول الشركات الإماراتية لتشغيل مناطق وموانئ حرة، بحسب المحلل السياسي عماد الدين بادي.
وكان أبرز امتياز لأبو ظبي تجاه حكومة الوحدة الوطنية هو تقليصها الهادئ للدعم المالي لوسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية الموالية للقيادة العامة التي كان يُشتبه في أنها تموّلها، مما أجبر بعضها على الإغلاق.
عقيلة وقطر
بعد قطيعة دامت أكثر من 7 سنوات، حلّ رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ضيفًا على الدوحة، في أول زيارة له منذ توليه رئاسة مجلس النواب، وقد أشاد بجهود قطر في تسوية الخلافات في ليبيا بالطرق السلمية، معتبرا أنها قيادة منفتحة على كل الليبيين.
وبعد أكثر من شهر على زيارة عقيلة لقطر، أصدر قرارا بتشكيل لجنة للصداقة بين مجلس النواب ومجلس الشورى القطري لتعزيز التواصل والتنسيق المشترك.
ورقة النفط
من المستبعد أن يستغل أي طرف ورقة النفط للضغط وكسب المواقف، فمنذ الاتفاق الأخير الذي أبرم بين الدبيبة وحفتر، والذي بموجبه فُتحت الحقول والموانئ التي كانت مغلقة، وكُلف رئيس جديد لمؤسسة النفط فرحات بن قدارة، خلفا لمصطفى صنع الله، وصل الإنتاج والتصدير لمعدلات مرتفعة، وأبرمت المؤسسة عقودا عديدة مع شركات عالمية، وتطمح لزيادة إنتاج النفط إلى 2 مليون برميل يوميا، والغاز أيضا وربط خطوط جديدة مع أوروبا، خاصة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية ومنع روسيا إمدادات الغاز عن أوروبا، وبحث الأخيرة عن بدائل للغاز.
مرحلة جديدة
الوضع السياسي هشٌّ خلال هذه المرحلة، وكل المنظمات الدولية والإقليمية تدعو إلى ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية لتجاوز أزمة الشرعية السياسية، وفي ظل وجود حكومتين متنافستين، يظهر سيناريوهان محتملان، الأول أن يتفق الدبيبة وحفتر بحكم الأمر الواقع، على تسيير المرحلة إلى حين إجراء الانتخابات، والسيناريو الآخر هو تكوين حكومة جديدة موحدة تقود الانتخابات بعد جولة من الحوار ينسقها المبعوث الأممي الجديد عبدالله باثيلي.
طبول الحرب
وسط هذه التحالفات والتقاربات الدولية والإقليمية بين خصماء الماضي، يدقّ حفتر طبول الحرب في خطاباته الأخيرة، وآخرها قبل يومين، ملوّحا قائلا: إن قواته ستخوض حربا فاصلة في حال فشلت المساعي السلمية في إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وإنه سيتحرك بعدما وصل المشهد إلى طريق مسدود.
وكعادته شن حفتر هجومًا على السياسيين، واصفًا خطواتهم ومبادراتهم بأنها حجج واهية ومشبوهة، وأن قوّاته تقترب اليوم من اتخاذ القرار الحاسم بإرادة شعبية خالصة لتحديد المسار نحو استعادة الدولة.
ويبقى السؤال، هل تعدّ خطابات حفتر وتحركاته في الجنوب والوسط مقدّمة لحملة انتخابية مبكرة أم محاولة جديدة لإشعال الحرب؟

أخبار ذات صلة

مبادرة ستيفاني.. هل اصطدمت بـ”فيتو” روسي؟

تقرير أمريكي: استقرار ليبيا يعتمد على حياد المؤسسات الاقتصادية

الأسود: ربما تتفق روسيا معنا في أن مبادرة خوري غير واضحة الرؤية