تقدير موقف: مستقبل حراك مصراتة.. آفاق النجاح ومآلات الفشل

تواجه حكومة الوحدة الوطنية بقيادة رئيسها عبد الحميد الدبيبة أخطر تحد لها منذ تشكيلها، متمثلاً في الحراك الشعبي المتصاعد في مدينة مصراتة والمناطق الغربية، والذي يتزامن مع امتعاض بالمدينة تجاه الأوضاع الأمنية والمعيشية والخدمية. فبعد أشهر من الوعود بتحسين الأوضاع، يجد الدبيبة نفسه في مواجهة احتجاجات غاضبة تتهمه بالفشل وتطالب برحيله.

برزت ذروة الرفض للوضع القائم، في اجتماع يوم الخميس الماضي لحراك 17 فبراير في مدينة مصراتة، والذي ضم أعضاء من مجلس الدولة وفعاليات سياسية مختلفة في المدينة، كما شارك في الاجتماع رئيس مجلس الدولة السابق خالد المشري، الذي أعلن عقب الاجتماع أن شهد “التباحث بشأن الوضع السياسي الحالي، واستعرض “الحلول المتاحة لحل الأزمة السياسية الحالية بسبب تعطيل المسار الانتخابي في البلاد.”

كما أعلن المشري أن المجتمعين في مصراتة أكدوا على دعمهم تشكيل حكومة موحدة ومحايدة مهمتها إنجاز الانتخابات عبر القوانين التي أنجزتها لجنة 6+6، بينما أوضح أبو القاسم قزيط، عضو مجلس الدولة، أن الاجتماع بحث قضية تشكيل “حكومة تكنوقراط جديدة” للوصول إلى الانتخابات.

وفي ختام لقاء الخميس، أجمع الحاضرون في بيان على “ضرورة وجود حكومة موحدة تشرف على الانتخابات؛ خصوصاً بعد الجمود السياسي الذي تعيشه ليبيا”، مبررين ذلك بـ”وجود فساد تجب محاربته، لكونه ينخر في مؤسسات الدولة، في ظل عدم وجود رؤية وآلية شفافة للإفصاح عن الإنفاق الحكومي”، واختتم اللقاء على بالرغبة في انعقاده الأيام القادمة في مدن الزنتان والزاوية.

وأمام التصعيد المتواصل للاحتجاجات، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وتعثر جهود إجراء الانتخابات، تُطرح العديد من التساؤلات الجوهرية حول مستقبل الوضع في ليبيا:

هل سيتمكن حراك 17 فبراير من تحقيق مطالبه بإسقاط حكومة الدبيبة؟ وما موقف القوى الإقليمية والمجتمع الدولي من هذه التطورات؟ وأين يقف أبرز الفاعلين المحليين من هذا الحراك؟

وفي المقابل، هل سيتمكن الدبيبة من احتواء الاحتجاجات والبقاء في السلطة؟ أم أن احتدام حدة التوتر سيجر البلاد نحو مزيد من الفوضى وانعدام الاستقرار؟

وعلى الرغم من الزخم الشعبي الذي يحظى به حراك 17 فبراير، وهو جزء من حشد أكبر معارض للدبيية، إلا أن هذا الحراك يواجه تحديات كبيرة في مسعاه لتحقيق أهدافه، فالدبيبة ما زال يتمتع بقوة ونفوذ كبيرين كرئيس للسلطة التنفيذية، ولديه مقاليد الحكم ومفاتيح المال العام، إلى جانب دعم لا تخطئه العين من قبل عدد من القيادات الأمنية والعسكرية الفاعلة على الأرض.

كما أن حكومة الدبيبة مدعومة من قوى إقليمية ودولية بارزة، الأمر الذي يعقّد من مهمة إسقاطها. إلى جانب ذلك، يواجه الحراك اتهامات بالانقسام وغياب رؤية موحدة بشأن البدائل لدى مكوناته، على الرغم من اتفاقهم على معارضة الدبيبة، ما قد يضعف تأثيره ويحد من فرص نجاحه.

من جهة أخرى، ورغم سيطرته على مقاليد الحكم، إلا أن الدبيبة يواجه أزمات عديدة، فهو لا يتحكم فعلياً في كثير من مناطق البلاد، كما أن شرعيته محل تساؤل في ظل وجود حكومة موازية في الشرق ورفض مجلس النواب لكل ما يصدر عنه، إلى جانب تحديات في التمويل والميزانية من مصرف ليبيا المركزي، ولعل أخطر ما يواجهه هو خروج الحراك في مسقط رأسه مصراتة، مما يجعله في مأزق شخصي وسياسي.

وعلى المستوى الإقليمي، كشف تقرير رصد أجرته منصة “فواصل” مؤخراً حول تعامل وسائل الإعلام المحلية والدولية مع نشاطات حراك 17 فبراير، أن هناك اختلافات كبيرة في مواقف الأطراف الإقليمية والدولية تجاه الحراك:

فعلى الصعيد الإماراتي-السعودي، هناك دعم واضح وصريح للحراك من أذرع إعلامية محسوبة على أبو ظبي والرياض، بوصفه حركة معارضة لحكومة عبد الحميد الدبيبة، حيث تبنت تلك المنابر الإعلامية خطاب الحراك وتضخيم نشاطاته، على غرار قناة العربية الحدث وصحيفة الشرق الأوسط الممولة سعوديا وصحيفة العرب الممولة إماراتيا.

أما الجانب القطري فقد اتخذ موقفاً متردداً تجاه الحراك، حيث لم تُظهر وسائل الإعلام القطرية اهتماماً كبيراً بتطوراته، حيث ظهر ذلك جليا في تغطيات شبكة الجزيرة وأخواتها، في إشارة إلى عدم رغبة الدوحة في المغامرة بدعم أي طرف.

كما تجدر الإشارة إلى أنه من المرتقب عقد اجتماع قريب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، ومن المؤكد أن الأزمة الليبية ستكون على رأس جدول أعمال المباحثات. وبالتالي فإن أي تفاهمات بين الجانب التركي والجانب المصري بشأن ليبيا سيكون لها تداعيات مباشرة على مسار الأحداث في البلاد.

أما دوليا، فمن المقرر أن يُلقي المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا عبدالله باتيلي، إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي يوم 14 فبراير الجاري، حيث سيتطرق إلى جهوده الرامية إلى كسر الجمود السياسي في ليبيا وتمهيد الطريق أمام إجراء الانتخابات.

ومن المتوقع أن يسلط باتيلي الضوء خلال إحاطته على تفاصيل المبادرة التي طرحها مؤخراً، والتي تستهدف جمع الأطراف حول طاولة حوار، إلى جانب حث المجتمع الدولي على دعم جهوده في هذا الصدد.

كما سيتطرق باتيلي إلى الفرص المتاحة أمام هذه المبادرة لإحداث اختراق في المشهد، وكذلك المعيقات والتحديات التي تواجهها، خاصةً من جانب الأطراف الرافضة للحوار.

ويُتوقع أن تجد إحاطة باتيلي ردود فعل متباينة من مختلف الأطراف المعنية بالشأن الليبي، نظراً لحساسية المرحلة، وستؤثر بلا شك على مسار الأحداث خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.

وفيما يتعلق بمعسكر حفتر، فلم تولِ الأذرع الإعلامية المقربة منه اهتماماً ملحوظاً بتطورات الحراك، كما حدث في تغطية كل من قناة المسار التي يمولها صدام نجل حفتر، وصحيفة العنوان وموقع الساعة 24، وربما يعود عدم اهتمام معسكر حفتر بالحراك إلى رغبة الرجمة في المحافظة على الوضع الراهن، خاصة مع المكاسب التي يتمتع بها في قطاع النفط والغاز، مع استعداده للتحالف مع أي طرف يخدم مصالحه.

وعلى الرغم من معارضته العلنية لحكومة الدبيبة، إلا أن خليفة حفتر، قائد القيادة العامة، ينتهج على ما يبدو سياسة انتظار وترقّب لمسار الأحداث في ظل تصاعد الاحتجاجات ضدها بقيادة حراك 17 فبراير في مدن الغرب، مع استعداده للدخول في أي تحالف سياسي مع أي طرف يحقق مصالحه ويدعم مكتسبات قواته.

فعلى الرغم من التباين الظاهري بين حفتر والدبيبة، إلا أن حفتر لا يمانع التنسيق مع الدبيبة خلف الكواليس عند الضرورة، كما حصل في صيف 2022، عندما تم الاتفاق السري بين الطرفين على تنحية رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، وتعيين فرحات بن قدارة مكانه، ما عزز نفوذه في القطاع.

من جهة أخرى، يبدو أن محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، الذي يمتلك شبكة تحالفات واسعة لوجوده في المنصب لفترة طويلة، بات يتخذ خطوات عملية في اتجاه الضغط الاقتصادي والمالي على حكومة الدبيبة، وهو ما يتماشى مطالب حراك 17 فبراير وحشد المعارضين لحكومة الدبيبة.

وتفيد المؤشرات إلى أن العلاقة بين الدبيبة والكبير شهدت مؤخراً مرحلة فتور وتدهور، إلى جانب تردي تراجع العلاقة بين رئيس الحكومة ورئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك الذي يفتح المجال للاقتراب من معسكر المعارضة.

ويتوقع أن يستخدم الكبير صلاحياته كمحافظ للمصرف المركزي ومسؤول أول عن السياسة النقدية، في فرض قيود مالية ونقدية، تجبر الحكومة على تبني سياسات تقشفية صارمة تزيد من حدة الأزمات المعيشية والاقتصادية، كما يمكنه حجب بعض التمويل عنها، ما يُضعف موقف الدبيبة، ويقلل من نفوذه سياسيا وشعبيا.

ويمتلك محافظ مصرف ليبيا المركزي نفوذاً كبيراً في المؤسسة المصرفية وداخل الأوساط الاقتصادية، وهو حتما قادر على تعبئته ضد سياسات الحكومة أو عزلها، وهكذا أصبح الكبير، بحكم الواقع، جزءاً محورياً من تحالف واسع يضم معارضين بارزين لحكومة عبد الحميد الدبيبة من مختلف التيارات، يجمعهم هدف الحد من نفوذها ودفعها نحو التنحي عن إدارة المرحلة الانتقالية في ليبيا.

وخلال اجتماع لتجمع نواب من مصراتة مع المبعوث الأممي باتيلي، تمت المطالبة بتفعيل مبادرته للحل السياسي التي تستهدف جمع الأطراف الخمسة الرئيسية لمناقشة الخلافات السياسية، حيث بحث اللقاء حالة الانسداد السياسي التي تشهدها البلاد، وكيفية الخروج منها، والوصول إلى الانتخابات من خلال قوانين لجنة 6+6.

كما طالب النواب من مصراتة بضرورة دفع البعثة الأممية باتجاه جمع الأطراف السياسية الخمس في ليبيا، وذلك لحسم النقاط العالقة والخلافية في قوانين الانتخابات الرئاسية والتشريعية، مع ضرورة أن تتم الانتخابات تحت إشراف حكومة تكنوقراط مصغرة تتمتع بالسيادة على كامل التراب الليبي، حسب تعبيرهم.

وفي ظل تصاعد وتيرة الاحتجاجات والتحركات الشعبية ضد حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، خاصة في مدينة مصراتة والمناطق الغربية. و مع استمرار حالة الجمود السياسي وتردي الأوضاع المعيشية، تبدو الأمور متجهة نحو أحد السيناريوهات الآتية:

يواصل حراك 17 فبراير تصعيد تحركاته الاحتجاجية في عدد من مدن الغرب الليبي ويحظى بدعم متزايد من القوى المحلية الفاعلة. وفي ظل الضائقة الاقتصادية، ينجح الحراك في تعبئة احتجاجات جماهيرية غير مسبوقة تضرب النشاط اليومي والإنتاج الاقتصادي وتهدد بشلل تام.

بعد شهور من الاحتجاجات المتصاعدة، قد تظهر وساطات محلية ودولية للتهدئة والحوار بين الحكومة وحراك 17 فبراير ومن معه في معسكر المعارضة غرب ليبيا، تفضي إلى اتفاق يقضي بمشاركة ممثلين عن الحراك في الحكومة مقابل بقاء الدبيبة على رأسها بناء على اتفاق تقاسم سلطة بين الطرفين.

في محاولة منه لاستعادة زمام المبادرة، سيعمد الدبيبة إلى عقد تحالف استراتيجي مع خصمه اللدود خليفة حفتر؛ حيث سيوفر له الأخير غطاء سياسي أمام الرأي العام الدولي، حيث سيبرز من خلاله أنه الرئيس المدعوم من شرق ليبيا وغربها، مقابل تقديم تنازلات واسعة لمعسكر حفرت، تتضمن تعيين وزراء أو تشكيل حكومة مصغرة للإشراف على الانتخابات ما يُضعف سلطته.

قد تتصاعد الضغوط الدولية غير المسبوقة لحلحلة المشهد السياسي الليبي المتأزم، فيتقدم المبعوث الأممي بمبادرة جديدة، مؤكداً على دعم المجتمع الدولي الكامل لها، مع تلويح بفرض عقوبات على أي طرف يعيق الحل السياسي. وقد تشبه هذه المبادرة، المدعومة بضغوط وتهديدات دولية، ما حصل عبر مبادرة ملتقى الحوار الوطني بجنيف عام 2021، التي جلبت الدبيبة لسدة الحكم.

وسيؤدي نجاح هذا السيناريو إلى إعادة تشكيل موازين القوى وتغيير قواعد اللعبة السياسية في ليبيا. ويستند ذلك إلى استمرار ليبيا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ووجودها تحت الوصاية الدولية، كيف لا وهي التي حصلت على استقلالها بقرار من الأمم المتحدة، وتمت كتابة أول دستور لها بإشراف من قبل المبعوث الأممي أدريان بيلت في الخمسينيات.

وهكذا، تمر ليبيا بمنعطف حرج وحاسم، إذ قد تسفر الأحداث عن انفراجة سياسية أو انزلاق نحو مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار. وستكون الأيام والأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد مسار البلاد نحو أي من هذه السيناريوهات.

أخبار ذات صلة

خارجية الدبيبة تبحث مع السفارة الأمريكية تسهيل إجراءات التأشيرات وتعزيز التعاون

تقارير غربية عن تحول النفط لسلعة ممنوعة.. ومراجعات ليبية للحد من التهريب

مردة: من المتوقع أن يتم الإعلان عن نتائج الانتخابات البلدية بداية الأسبوع المقبل