في ظل التحولات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها البلاد في الفترة الأخيرة، برزت مسألة التنسيق بين المؤسسات السيادية كأحد أهم التحديات التي تعترض طريق تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي.
مرحلة مفصلية
وخلال خطاب رسمي وجهه رئيس حكومة الوحدة، عبدالحميد الدبيبة إلى محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى، ورداً على بيان المصرف المركزي الأخير بشأن الإيراد والإنفاق خلال شهري يناير وفبراير الماضيين، أكد الدبيبة أن البلاد تمر بـ”مرحلة مفصلية” تتطلب وقفة جادة لمعالجة الإشكاليات المتراكمة، داعيًا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان الشفافية الكاملة في البيانات المالية المرتبطة بالنقد الأجنبي.
توترات متصاعدة
وبينما ذكر الدبيبة خلال خطابه الموجه إلى محافظ المصرف المركزي أن الميزانية العامة للدولة حققت فائضًا بلغ 9.6 مليار دينار ليبي خلال الفترة من 1 يناير إلى 28 فبراير 2025.
مع ذلك، أكد الدبيبة أن البيانات المقدمة من مصرف ليبيا المركزي لم تتضمن الإيرادات الناتجة عن الرسم المفروض على بيع النقد الأجنبي، والتي بلغت 4.4 مليار دينار، وبإدراج هذه الإيرادات، يصل الفائض الإجمالي إلى 14 مليار دينار، فإن هذه الأرقام لم تكن كافية لتبريد التوترات المتصاعدة بين الحكومة ومصرف ليبيا المركزي.
كما أشار الدبيبة إلى زيادة غير مسبوقة في الطلب على النقد الأجنبي خلال الربع الأخير من عام 2024 وشهري يناير وفبراير 2025.
فجوة ثقة
الخلافات حول بيانات الإيرادات والنفقات، واستمرار غياب اللقاءات المباشرة بين الدبيبة ومحافظ المصرف المركزي ناجي عيسى، تعكس فجوة ثقة قد تهدد الجهود الرامية إلى تحقيق الشفافية والإصلاح المالي، فالدبيبة يرى أن تقارير المصرف المركزي لم تقدم صورة شاملة عن الوضع المالي، خاصة مع غياب إيرادات الرسم المفروض على بيع النقد الأجنبي.
خصوم المركزي
طالب الدبيبة في خطابه بضرورة إحالة بيان دوري ومنتظم لأصول و “خصوم” مصرف ليبيا المركزي بحسب وصفه إلى مجلس الوزراء، تنفيذًا لأحكام المادة 24 من القانون رقم (1) لسنة 2005 بشأن المصارف.
استمرار العجز
وذكر الدبيبة في خطابه أن استمرار ظهور العجز التجاري المرحلي بالميزان التجاري للدولة، والذي يقدر بنحو 2.5 مليار دولار خلال الفترة والذي يرتبط مباشرة بخلق النقود في الاقتصاد.
كما أوضح خلال خطابه أن الزيادة الملحوظة في الطلب على النقد الأجنبي خلال الربع الأخير للعام 2024م، وشهري يناير – فبراير 2025م بمعدلات غير مسبوقة تثير تساؤلات تتطلب مزيدا من الإفصاح عن مصادر الأموال المرتبطة بالطلب على النقد الأجنبي وفقا لمتطلبات القانون رقم (2) لسنة 2005م بشأن مكافحة غسل الأموال ولائحته التنفيذية.
تعقيدات جديدة
بين أرقام الفائض والعجز في الفترة الأخيرة، وبين تصاعد الطلب غير المسبوق على العملة الأجنبية، تبرز الحاجة الملحة لوقفة جادة وتنسيق حقيقي بين الجانبين، فهل ستتمكن البلاد من تجاوز هذه الأزمة؟ أم أن استمرار الفجوة بين الحكومة والمصرف المركزي سيؤدي إلى مزيد من التعقيدات في المشهد الاقتصادي؟ كما يبقى السؤال مطروحًا حول جدوى الإنفاق العام في ضبط الطلب المتزايد على النقد الأجنبي وتحسين الميزان التجاري.