ذكرت الكاتبة نيريا بيلمونتي في مقال نشر بتاريخ 29 سبتمبر الجاري على موقع المجلة الإسبانية “أطالايار” في نسخته الفرنسية -مجلة تهتم بالشأن السياسي والاقتصادي والجيوسياسي والثقافي، ومقرها العاصمة مدريد- أن وجود المرتزقة على الأراضي الليبية منذ اندلاع الحرب الأهلية الأولى عام 2011 هو أمر واقع، وقد رسم ملامح مستقبل الدولة الواقعة في شمال أفريقيا، ومع ذلك، كان بدء “العملية العسكرية الخاصة” الروسية بأوكرانيا في شهر فبراير 2022 بمثابة نقطة تحول بالنسبة للمرتزقة المرتبطين بمجموعة “فاغنر” (شركة روسية ليس هدفها سوى تعزيز وجود موسكو بالقارة والعمل على الدفاع عن مصالح العملاق الأوراسي).
وإنتاج الغاز الليبي وتصديره ليسا بمنأى عن هذه المصالح، بحيث وضعت الحرب في أوروبا الشرقية ضعف القارة العجوز في مجال الطاقة على الطاولة، وبما أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة تواجه العد التنازلي لفصل الشتاء بدون احتياطيات كبيرة من الغاز، يبدو أن ليبيا لا تملك خيارات لاستبدال الإمدادات الروسية، ويفسر ذلك وجود مرتزقة “فاغنر” في أماكن قريبة جدا من آبار الغاز شرقي البلاد.
سيطرة
يقع حقلا استخراج الغاز الرئيسيين في مناطق تسيطر عليها مجموعة “فاغنر” أو شركاؤها المحليون وحلفاؤها، على غرار المشير خليفة حفتر شرق البلاد، وهكذا فإن حقل الوفاء الواقع على بعد 500 كيلومتر جنوب غرب العاصمة الليبية طرابلس وبالقرب من الحدود الجزائرية وحقل الفارغ قرب مدينة أجدابيا شرقي البلاد، معظم إنتاجه معد للاستهلاك المحلي، ويفلت من السيطرة المركزية لحكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة.
لكن يوجد تحت سيطرة حكومة الدبيبة في طرابلس حقل البوري (الذي تقدر احتياطياته بحوالي 10 مليارات متر مكعب) وحقل بحر السلام، وكذلك الحقول البحرية قبالة الساحل الغربي للمتوسط.
هذا ويعتبر حقل الوفاء الواقع جنوب غرب البلاد من أهم نقاط إنتاج وتصدير الغاز الليبي للخارج عبر خط أنابيب الغاز “غرين ستريم” الرابط بين شمال أفريقيا وساحل صقلية بإيطاليا، وقد أدت هذه البنية التحتية -إلى جانب الكمية الكبيرة من احتياطيات الغاز في البلاد، وقبل التفكير في نفوذ “فاغنر”- إلى فكرة أن ليبيا ستكون أحد البدائل للإمدادات من موسكو، حاليا، باستثناء الجزائر، تعد ليبيا الدولة الأفريقية الوحيدة التي لديها خط أنابيب غاز يربط بين القارتين، ما سيخفض أسعار الغاز مقارنة بنقل الغاز الطبيعي المسال عن طريق القوارب، كما هو الحال بالفعل من الولايات المتحدة ومصر و نيجيريا.
أسباب
علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن صادراتها لا تتجاوز 5 مليارات متر مكعب سنويًا من الغاز -فقط 3.3% من الكمية التي تصدرها روسيا إلى أوروبا، و10% من إجمالي صادرات الجزائر إلى القارة العجوز- تعتبر ليبيا رابع أكبر مصدر للغاز في كل أفريقيا، وهو موقف يبدو اليوم مهتزا غداة اكتشاف احتياطيات وحقول غاز جديدة في كل من مصر وموزمبيق وموريتانيا، وهي دول تعتبر أكثر استقرارا سياسيا وتحررا من وجود مرتزقة “فاغنر”، وبإمكانها أن تحل محل دور طرابلس وتكون مصدرا لأوروبا.
يعد عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد سببا آخر لعدم ثقة المجتمع الأوروبي بالكامل -من حيث الطاقة- بليبيا، هذا وعلى الرغم من أن إقليم شمال أفريقيا قد زاد إنتاجه الإجمالي من الغاز بين عامي 2020 -سنة توقيع وقف إطلاق النار بين فصائل الشرق والغرب- وسنة 2021، إلا أن حقيقة هذه الزيادة كانت طفيفة للغاية، حيث ارتفعت من 12.1 مليار متر مكعب إلى 12.4 مليار متر مكعب سنويا.
يذكر أن إغلاق حقول النفط والغاز -منذ بداية الاشتباكات بين حكومة الدبيبة الغربية وفصيل حفتر الشرقي وبرلمان طبرق الرافض لتمديد ولاية الدبيبة- شبه ثابت، وغالبا ما تم استخدام حقول النفط ورقة مساومة ضد حكومة الوحدة الوطنية، ما أجبرها على تعريض الصادرات إلى الخارج للخطر من أجل تلبية الاستهلاك المحلي الليبي.
وتخلص بيلمونتي إلى أن لكل هذه الأسباب، وطالما أن أرقام الإنتاج والتصدير لا يمكن أن تزيد -وهو أمر معقد نظرا للمنشآت المتدهورة نوعًا ما وقلة الاستثمار الأجنبي- وطالما أنه لا يمكن العثور على حل للصراع السياسي الليبي الداخلي، سيبقى دور ليبيا بوصفها موردا عالميا للغاز لعدة سنوات قادمة في الخلفية على الساحة الدولية