بعد أيام من نشر مؤسسة إيطالية لأرقام وإحصائيات تكشف انخفاض تدفقات الهجرة من سواحل شمال إفريقيا نحو ساحل إيطاليا، بسبب التفاهمات والاتفاقات مع حكومتي ليبيا وتونس، تكشف صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية عن حكم المحكمة العُليا في روما الذي يضع مصير تلك الاتفاقات ومذكرات التعاون بين البلدين وامتحان أمام القضاء الإيطالي، ويشكك في مدى التزام طرفيها بالاستمرار في العمل بها.
إنقاذ مُغرِق
أدانت المحكمة الإيطالية العليا قائد قاطرة “أسو 28” البحرية بتهمة تسليم 101 من المهاجرين غير القانونيين إلى خفر السواحل في طرابلس، عقب إنقاذه لهم من عُرض البحر المتوسط، عام 2018، مستندة في حكمها على ما يعد في القانون الإيطالي جريمة في حال تسليم المهاجرين لبلد غير آمن، مصنفة ليبيا بـ “الميناء الخطر” على المهاجرين.
قضاء المحكمة الإيطالية العليا بحكم الإدانة في قضية المهاجرين الذي تسلمتهم قوات البحرية الليبية، بدعوى ليبيا “غير آمنة” في القانون الإيطالي يجعل الاتفاقيات التي أبرمتها إيطاليا مع كل من ليبيا وتونس غير قانونية، من جهة معارضتها لقانون أحد طرفي الاتفاقية وهي إيطاليا، والاتفاقيات تقضي بتدريب خفر السواحل بإنقاذ واعتراض وإرجاع المهاجرين إلى السواحل التي انطلقوا منها في شمال إفريقيا، وهو ما خفّض من تدفق المهاجرين في العام الماضي وفق بيانات إيطالية رسمية.
وينص القانون الإيطالي على تجريم التخلي عن الأشخاص القاصرين أو العاجزين في حالة الخطر، والتخلي التعسفي عنهم، وينص قانون الملاحة الإيطالي على ضرورة نقل الأشخاص الذين يُنقذون من البحر على الفور إلى مكان آمن، وتنظر محكمة النقض في روما، في قانونية سياسة الهجرة الإيطالية بأكملها على أساس الاتفاقات التي تقدم المساعدة والدعم والتدريب لخفر السواحل الليبي للحد من تدفقات الهجرة، ومع صدور الحكم الذي يدين من يتعامل من البحرية الإيطالية والبحارة مع خفر السواحل بتسليم المهاجرين إليه، يظهر التناقض بين القضاء الإيطالي براغماتية روما في تجاهل حقوق الإنسان، لأجل إيقاف تدفق المهاجرين إليها.
نجاعة الاتفاقيات
حكم القُضاة استند إلى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، معللا بأن تسليم المهاجرين إلى القوات البحرية الليبية يحرمهم من الحصول على الحماية الدولية، ويعيدهم إلى بلد “يشتهر بتعرضهم فيه للعنف والتعذيب”، وعقب هذا الحكم تصبح الاتفاقات للتعامل والتنسيق شبه اليومي في البحر المتوسط بين الحكومة الإيطالية والبحرية الليبية وفق الاتفاقيات ومذكرات التعاون بين روما وطرابلس، على المحك، مع عدم نكران إيطاليا بدور هذه التفاهمات في وقف سيل الهجرة، الذي قدرته مؤسسة المبادرات والدراسات حول التعددية العرقية (ISMU) الإيطالية في تقريرها الصادر الثلاثاء الماضي، مسجلة انخفاضا بأكثر من 110 ألآف مهاجر في عام 2023 الذي بلغ 458 ألف مهاجر في العام ذاته، بعد أن كان في 2022 عدد المهاجرين غير القانونيين الذين وصلوا إلى إيطاليا 506 آلاف مهاجر.
توريط ليبيا
حكم المحكمة الإيطالية العليا بإدانة قائد القاطرة البحرية في قضية تسليمه المهاجرين غير القانونيين بعد إنقاذهم من البحر، إلى خفر السواحل الليبي في طرابلس سيفتح باب الطعون في المحاكم الإيطالية على السلامة القانونية للاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي أبرمتها الحكومة الإيطالية مع السلطات الليبية والتونسية في ملف التعاون بشأن الهجرة والتدريب لخفر السواحل في هذين البلدين المغاربيين.
مع عدم وجود حلول جوهرية لملف الهجرة في بلدان المنشأ، سيعود أثر هذه الظاهرة سلبا على دول العبور، ومنها ليبيا، وحكم القضاء الإيطالي قد يعرقل خطط التدريب لخفر السواحل الليبي، ودعمه بالآليات والزوارق البحرية لمكافحة التهريب، وتصنيف ليبيا بالبلد غير الآمن المجرَّم التعامل معها يضع حكومة الوحدة ووزارة داخليتها في معضلة قد توقف الأخيرة اعتراض المهاجرين، ما سيزيد تدفقات الهجرة على أوروبا، وإيطاليا، ويعرّض كثيرا من المهاجرين للخطر، ويستنزف موارد ليبيا في معالجة هذا الملف وحدها.
الخيارات أمام حكومة ميلوني: بتغليب المصلحة الإيطالية على حقوق الإنسان، بالاستمرار في الاتفاقيات من باب أن ذلك أخف الضررين، أو الانصياع للحكم القضائي وإيقاف التعاون مع الحكومة الليبية في ملف الهجرة مع ما يترتب عليه من تبعات، أو التحايل على القانون الإيطالي والتعامل غير المباشر مع البحرية الليبية عبر وسطاء أوربيين، ومع كل الخيارات المتضرر الأكبر هم المهاجرون ودول العبور التي يُراد لها أن تكون حارسة أوروبا.
المصدر: صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية