معهد الشرق الأوسط
تطرق الكاتب جوناثان أم. وينر، في مقال نشر بتاريخ 9 سبتمبر 2022 على موقع “معهد الشرق الأوسط”، إلى تعيين الديبلوماسي السنغالي أبدولاي باثيلي ممثلا خاصا للأمم المتحدة في ليبيا ورئيسا لبعثة الدعم للأمم المتحدة في ليبيا. ولكن ليكون لديه فرصة نجاح، سيحتاج المبعوث الجديد إلى تغيير النموذج الذي منع أسلافه السبع من تحقيق الاستقرار في ليبيا طوال العقد الماضي.
منذ الجولة الأخيرة للانتخابات في يونيو 2014، غادر عدة لاعبين سياسيين الميدان واستبدلوا بوجوه جديدة، ولكن نموذج الحكومات المتنافسة على السلطة والشرعية بقي كما هو. وبشكل دوري، كما حصل مؤخرا في 3 سبتمبر الجاري، انخرطت القوات المتحالفة مع الحكومات المتنافسة في قتال فعلي أدى إلى قتلى مدنيين وعسكريين.
دور
يرى الكاتب جوناثان أم. وينر أن باثيلي البالغ من العمر 75 سنة، ليس مختصا في الشأن الليبي أو خبيرا في شمال أفريقيا، حيث أمضى مسيرته المهنية في العمل على الصراعات في منطقة جنوب الصحراء. وكما هو الحال بالنسبة لسابقته، ستتمثل فترة ولايته في لقاء أفراد الطبقة السياسية والعسكرية في ليبيا. ومن المحتمل أن يتعرف باثيلي على الشخصيات التي أمضت العقد الماضي في التناوب على القتال والاصطفاف مع بعضها البعض. كما سيلتقي الجهات الفاعلة الأجنبية والإقليمية الرئيسية التي لعبت دور صانعي الملوك أو صانعي السلام خلال تلك الفترة، بدءا بتركيا ومصر.
دون شك، ستشغل هذه الجولات الدبلوماسية المبعوث الخاص لعدة أشهر أو ربما سنوات. ولكن السؤال، حسب الكاتب: “هل هذا العمل -الاستماع والتعلم والاستشارة- سيحقق أي هدف؟”، وأضاف أن التاريخ علمنا أن المبعوث الخاص الذي يتبع الطريق الذي وضعه سابقوه يشبه الحصان الذي يعرف جيدا الطريق إلى المنزل، عوضا عن الرائد الذي يمكن أن يقود ليبيا خارج المأزق الذي دام عقدا من الزمن.
واعتبر الكاتب أن هذا المأزق أصبح أكثر رسوخا من أي وقت مضى، حيث نجح الدبيبة في صد الميليشيات الداعمة لباشاغا وأكد أنه لن يتنازل عن السلطة إلا لزعيم منتخب. وصرح باشاغا بنفس القوة أنه لن يتنازل عن التفويض الذي منحه إياه مجلس النواب. في الأثناء، تتنامى المشاعر الانفصالية في جنوب ليبيا، في انعكاس لمظالم حقيقية.
أبرز وينر أن تجربة باثيلي في السنغال تشتمل على خدمته عضوا في البرلمان ووزير ديوان ومرشحا رئاسيا وقائدا للمعارضة. داخل الأمم المتحدة، تدخل في الجهود لدعم الاستقرار في مالي وبناء مسار المصالحة في جمهورية أفريقيا الوسطى. لذلك، لن تكون عواقب المظالم التي لم تحل ولا سياسات الجشع، جديدة عليه. وقد منحه مجلس الأمن الدولي الموافقة بعد رفض العديد من المرشحين الآخرين الذين اعتبروا جميعا غير مقبولين لواحد أو أكثر من الممثلين الخمسة الدائمين في المنظمة.
مسار
في الوقت الحالي، يجب على الأمم المتحدة أن تواصل عملها الحالي لتحقيق التقدم على مستويات ثلاثة في الديبلوماسية الليبية -سياسيا وأمنيا وعسكريا واقتصاديا-. كما يجب أن تستمر في التركيز على الانتخابات كونه مسارا مركزيا لشرعية أي حكومة ليبية، ولكن قد تفشل جهود إخراج ليبيا من دورة المواجهة في غياب إضافة مكون جديد. يجب على المبعوث الأممي الجديد أن يتحرك خارج الأطر السياسية الحالية عبر التحرك محليا، حسب الكاتب.
وأشار إلى أن استطلاعات عامة في سنتي 2016 و2019 أبرزت أن مسؤولي البلديات في ليبيا يتمتعون بدعم وشرعية أكبر بكثير من السياسيين أو المؤسسات الوطنية. على المستوى المحلي، توجد في ليبيا مناطق (شعبية) يتراوح عددها بين 22 في سنة 2007 إلى 106 في سنة 2021. وتتكون المناطق الـ22 المنشـأة بعد تعداد ليبيا لعام 2006 من مراكز سكانية كبيرة مثل طرابلس ومصراتة في الغرب وبنغازي ودرنة في الشرق، ومن مناطق أصغر مثل الكفرة وغات وسبها في الجنوب، ولكل هذه البلديات مجلسها الحاكم الخاص الذي يترأسه كبار المنطقة، ولكل حكومة محلية مصلحة في تأمين تقاسم المداخيل التي يوفرها النفط.
واعتبر كاتب المقال أن جمع القادة البلديين لتحديث الدستور الليبي عبر أحكام تنص على تقاسم ثروة البلاد على المستوى المحلي، قد يطلق العنان لطاقات جديدة ويفتح الباب لحلول جديدة. وفي ظل تواصل الوضع الراهن من الفوضى الذي يخدم مصالح القوات الوطنية الحالية، للشخصيات السياسية المحلية مصلحة كبيرة في تقاسم المداخيل على المناطق المحلية من أجل تعزيز قدرتها على توفير خدمات عمومية لمواطنيها.
وبين الكاتب أن هناك سببا آخر يشجع الأمم المتحدة والحكومات الأجنبية على العمل مع الحكم المحلي يكمن في أن قدرة العديد المجالس محدودة على توفير الخدمات بسبب نقص الموارد المالية. وقد يساعدها الدعم الدولي على المدى القصير، بالعمل مع بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، على تحقيق الانتخابات. وعلى أقل تقدير، سيوفر بديلا عن الاعتماد على شخصيات وطنية أثبتت أنها غير قادرة على تشكيل حكومة موحدة وشاملة أو حتى الاتفاق على جدول زمني للانتخابات. وقد يساعد ذلك على تفادي الاعتماد على أصحاب المصالح الضيقة في المحافظة على الوضع الراهن في ليبيا.