مبادرة المجلس الرئاسي.. بين فرص نجاحها وتوقعات تعثرها

بعد انسداد معظم الطرق المؤدية إلى إيجاد حل للأزمة في ليبيا، والوصول إلى قاعدة توافقية بين الأطراف المتنازعة، أعلن المجلس الرئاسي الخميس الماضي، مبادرة لحل هذه الأزمة تحمل اسم “مقاربة المجلس الرئاسي لتجاوز الانسداد السياسي وتحقيق التوافق الوطني”.

هذه المبادرة جاءت في الوقت الذي أعلن فيه المجلس الأعلى للدولة، تعليقَ التّواصل والمشاورات مع مجلس النواب، وكلَّ أعمال اللّجان المشتركة بين المجلسين لارتكاب مجلس النواب خروقًا وتعدّيه على اختصاصات ليست من شأنه، حسب وصفه، لتتضاءل حظوظ التوافق بين رئيسي المجلسين عقيلة صالح وخالد المشري.

وعمّقت هذه الخطوة التي أعلنها مجلس الدولة، فجوة الخلافات والصراعات السياسية التي تعيش ليبيا على وقعها منذ سنوات، خاصة عقب فشل إجراء الانتخابات التي كانت منتظرة في 24 ديسمبر 2021.

أهداف المبادرة
وتنطلق هذه المبادرة من إجراء لقاء تشاوري بين المجلس الرئاسي ومجلسي النواب والأعلى للدولة، بالتنسيق مع المبعوث الخاص ورئيس البعثة الأممية لدى ليبيا عبدالله باتيلي، يُهيّئ لحوار دستوري كأولوية لإنهاء المراحل الانتقالية، تُضمّن فيه المبادرات والأفكار والرؤى التي طرحتها الأحزاب والقوى الوطنية على المجلس الرئاسي.

وأكد المجلس أن هذه المبادرة جاءت اتّساقاً مع نصوص خارطة طريق ملتقى الحوار السياسي، وحرصاً على إنجاز التوافق بين مجلسي النواب والدولة على إصدار قاعدة دستورية، تؤسس لانتخابات برلمانية ورئاسية، وتعالج النقاط الخلافية العالقة في ظل استمرار تعثر إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور.

موقف باتيلي
وقبل ذلك، دعا المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، جميع المؤسسات الليبية ومنها مجلسا النواب والدولة، إلى الدخول في حوارٍ سعياً إلى إيجاد حل وتسريع الجهود الجارية، مؤكدا استعداد الأمم المتحدة لبذل مساعيها الحميدة لضمان نجاح هذا الاجتماع الذي يجب أن يقدم إجابات للإحباطات المتزايدة، ويلبي تطلعات ما يزيد على 2.8 مليون ناخب سجلوا للتصويت.

التشاور والحوار وأهميتهما وكيفية الاستفادة من تأثيرهما الإيجابي في تيسير التواصل والاتفاق بين الأطراف الليبية لتجاوز الانقسام السياسي، هذا ما أكده باتيلي لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي خلال لقاءاتهما السابقة، التي جرت منذ وصوله إلى طرابلس في منتصف أكتوبر الماضي، متمسكا بأن الحل يجب أن يأتي من الليبيين أنفسهم.

دور الأطراف
مستشار رئيس المجلس الرئاسي لشؤون الانتخابات زياد دغيم، عبّر عن أمله في أن يستجيب عقيلة صالح لمبادرة الرئاسي، وأن يحترم خارطة الطريق التي شارك في صياغتها، موضحا أن الاستجابة للمبادرة تضمن أساسًا دستوريًّا متينًا بدل خوض غمار الخيارات الأخرى الصعبة التي ستجعل الشعب في مواجهة سياسية مباشرة مع المعرقلين لخيارهم في التغيير واستعادة أمانته.

وقال دغيم في تصريحاته لفواصل، إن المجلس الرئاسي أكّد في لقائه الأخير للمبعوث الأممي، أنّ الوقت حان لالتزام الجميع بخارطة الطريق، لا سيما المادة الرابعة منها، والانطلاق في حوارٍ سعيًا إلى إنجاز أساس دستوري متين، منوها بأن المبادرة التي تنصّ على عقد لقاء تشاوري بين المجالس الثلاثة، تُهيّئ لحوار دستوري كأولوية لإنهاء المراحل الانتقالية.

وحول دور بقية الأطراف في هذه المبادرة، أكد دغيم أن المجلس الرئاسي سيكون مظلةً لمشاركة الأحزاب السياسية والشخصيات والقوي الوطنية والنقابات في تحديد الأولويات بعد إفشال مجلسي النواب والدولة لموعد الانتخابات المقرر، ثمّ إخفاق سنة كاملة من الحوارات بينهما وصولا للانحراف الخطير عن المسار والأولويات.

خطوة صحيحة
من جهة أخرى، عدّ عضو المجلس الأعلى للدولة عادل كرموس، مبادرة المجلس الرئاسي خطوة صحيحة كان يجب أن تُتخذ مُنذ مدة طويلة، معربا أن أمله في الاستجابة لها من خلال عقد لقاء تشاوري بين المجالس الثلاثة (النواب والدولة والرئاسي) مع المبعوث الأممي لحل الأزمة الليبية.

وأوضح كرموس أن دور المجلس الرئاسي هو الوساطة بين مجلسي النواب والدولة لكونه يمثّل رأس الدولة، ومن المهمّ ألّا يُترك هذا الدور لأطراف خارجية للعبه، ورأى أن أي حوار ينعقد بين الليبيين بدون طرف ثالث فإنه يحقق دائما نتائج إيجابية، بحسب تصريحاته لفواصل.

ترحيب برلماني
وفي ظل الخلافات وتعدد الآراء بين أعضاء مجلس النواب في الكثير من الملفات، عبّر عضو المبروك الكبير لفواصل، عن ترحيبَه بأي خطوة تدفع في اتجاه التوافق بين الأجسام المعنية بإنهاء الأزمة، خاصة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، للتوافق على قاعدة دستورية متينة تضمن إجراء انتخابات شفافة ونزيهة.

من جهته، عدت عضو مجلس النواب عائشة الطبلقي، مبادرة المجلس الرئاسي بعقد لقاء تشاوري بين المجالس الثلاثة مبادرة جيدة، متوقعة أن هذا اللقاء قد لن ينجح كلياً، ولكنها اعتبرته فرصة للحوار بين الليبيين برعاية الامم المتحدة.

وقالت الطبلقي لفواصل، إن المجلس الرئاسي في مقام رئيسا للدولة ومن مهمته أن يحتضن كل المجالس في البلاد، متمنية النجاح لهذه المبادرة، على حد تعبيرها.

مؤشرات النجاح والتعثر
مبادرة المجلس الرئاسي لم تكن الأولى من نوعها، إذ قدمت العديد من الأطراف في الداخل والخارج خارطة طريق ومبادرات كثيرة للأزمة الليبية، ولكنها لم تلقَ قبولا من الأوساط السياسية، مما يعطي مؤشرات سلبية لنجاح مبادرة الرئاسي بسبب تفاقم الأزمة وتوسع رقعة الخلافات بين الفرقاء الليبيين.

من الأهمية بمكان لنجاح مبادرة الرئاسي قدرتها على حشد الأطراف الداخلية من الشرق والغرب والجنوب التي تتململ من الوضع الحالي وبعضها يعارضه صراحة، ويمكن للرئاسي من خلال مشروع المصالحة توسيع مشاركة عديد من الأطراف معه، كما أن دور الرئاسة في المشاركات الخارجية أتاح لرئيسه بناء علاقات دولية ربما تشكل فرصة أخرى لتعزيز حظوظ مبادرته.

فهل ستحظى مبادرة المجلس الرئاسي بقبول الأطراف الداخلية ودعم القوى الخارجية التي تلعب دورا كبيرا في المشهد الليبي أم يستمر الوضع على ما هو عليه، وتواصل الأطراف الليبية ممارستها غير المعلنة لتحقيق مصالحها؟.

أخبار ذات صلة

ليبيا ترفض أن تكون ورقة ضغط، وغياب مصر عن المؤتمر يثير التساؤلات

الدبيبة: لن نسمح بأن تكون ليبيا ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية

حمزة: الإرهاب يضرب في كل مكان وينتقل من دولة لأخرى وغير معتد بالحدود الرسمية