مستقبل فاغنر في ليبيا بعد استهداف الخروبة وفشل تمردها على موسكو

تعرضت مجموعة فاغنر الروسية (Wagner Group) لعدة ضربات سياسية وعسكرية في الآونة الأخيرة، خاصة عقب استهدافها من قبل طيران مُسير في قاعدة الخروبة التابعة للقيادة العامة بقيادة خليفة حفتر شرق ليبيا، وعقب فشل تمردها على موسكو في محاولة انقلاب ضد وزارة الدفاع الروسية، إضافة إلى التورط في مستنقع الحرب الأوكرانية في مواجهة قوى كبرى مثل أمريكا وحلف شمال الأطلسي.

وكنتيجة لهذه الضربات، يشوب الغموض مستقبل مجموعة فاغنر في ليبيا، فقد عانت الشركة الأمنية الخاصة عددا من النكسات في الأشهر الأخيرة، ومن المرجح أن تضطر إلى تقليص عملياتها أو حتى الانسحاب من ليبيا بشكل كامل.

ومع ذلك، فإن فاغنر مجموعة مرنة تسعى للكسب المادي وتتمتع بقدرة على التأقلم والتلون للوصول لأهدافها، ومن غير المستبعد أيضا أن تتمكن من التعافي من هذه النكسات بطريقة أو بأخرى، نظر لأن لها تاريخا حافلا من العمل في بيئات صعبة وخطرة، ولا يُتوقع أن تتخلى عن ليبيا بسهولة، خاصة بعد أن اشتمت رائحة الذهب الأسود ووصلت إلى مناجم الذهب جنوب ليبيا، في وقت هي في أمس الحاجة للمال والموارد.

سُجل أول ظهور رسمي لمرتزقة فاغنر ليبيا في عام 2019، وذلك دعما لخليفة حفتر في هجومه على طرابلس ضد حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج في حينها، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في عام 2020، أن دعم فاغنر لحفتر جرى دفع ثمنه من قبل الإمارات العربية المتحدة، بضوء أخضر من روسيا ومصر.

ونشرت فاغنر في ليبيا أكثر من 1200 عنصر في 2020، وذلك باستخدام طائرات عسكرية تابعة لوزارة الدفاع الروسية، كما أشرفت على إدارة أنظمة دفاع جوي وطائرات مقاتلة من قاعدة الجفرة الجوية جنوبي سرت، مع وصول بعض الطائرات الحربية من قاعدة حميميم السورية، طبقا للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، بينما أكد الأرقام مراقبو لجنة العقوبات التابعون للأمم المتحدة في تقريرهم في عام 2020.

كما نشرت فاغنر إلى جانب المرتزقة الروس، مقاتلين أجانب من كل من السودان وتشاد وغيرها، في الحقول والموانئ النفطية التي تقع في مناطق نفوذ القيادة العامة، لتحصل المجموعة الطامحة للكسب المادي على فرص التحكم في شحنات النفط والغاز، وعمليات التهريب تجاه السودان ودول الجوار.

وعلى الرغم من أن هجوم طرابلس انتهى بالفشل مع وقف إطلاق النار في عام 2020، إلا أن فاغنر تمسكت بوجودها في ليبيا، مع حضور واضح في قاعدة الجفرة الجوية وقاعدة الخروبة جنوب المرج، حيث تستخدم المجموعة هذه المواقع كقواعد خلفية لإدارة وتنسيق عملياتها في دول إفريقية أخرى.

وفي الــ 30 من يونيو الماضي، ذكرت مصادر متطابقة أن قصفا شنته طائرات مسيرة مجهولة استهدف قاعدة الخروبة جنوب المرج، التي تتمركز فيها عناصر من مجموعة فاغنر الروسية، من دون أن يسفر الهجوم عن خسائر بشرية.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر رفض ذكر اسمه القول “إن طائرات مسيرة مجهولة قصفت قاعدة الخروبة الجوية الواقعة على بعد 150 كيلومترا جنوب شرق بنغازي، حيث ينتشر عدد من قوات فاغنر الروسية،” لكنه لم يتحدث عن سقوط ضحايا.

كما أكد ضابط بسلاح الجو الليبي في تصريح لفواصل، صحة الضربات الجوية على قاعدة الخروبة، والمسماة أيضا بقاعدة الخادم، وهي القاعدة التي أعادت الإمارات بناءها منتصف سنة 2017، لتكون نقطة اتصال رئيسية لوصول الدعم العسكري الإماراتي لقوات القيادة العامة، بسبب وقوعها في منطقة شبه نائية بعيدا عن التجمعات السكانية.

الآثار المترتبة على الضربة

ومثّل استهداف قاعدة الخروبة، أول ضربة في عمق تمركزات قوات فاغنر في ليبيا، وهي أيضا تحول نوعي في الضربات الجوية داخل البلاد، نظرا لبعد القاعدة عن أي مناطق تماس مع المجموعات المسلحة المناوئة لحفتر، إضافة إلى بُعد الخروبة عن تمركزات القوات التركية غرب سرت، والتي تبعد عنها أكثر من 1000 كيلو متر.

استهداف الخروبة، التي تعرضت لضربتين؛ الأولى خارجها، في الطريق المؤدي إلى وادي سمّالوس باتجاه الشرق، والثانية داخل أسوار القاعدة قرب المدخل الرئيسي، يثير إرباكا في صفوف مجموعة فاغنر، ويطرح أسئلة عديدة عن مستقبلها في ليبيا، واحتمال تقليص عملياتها أو حتى الانسحاب من البلاد بشكل كامل.

وبالإضافة إلى الاستهداف بطائرة مسيرة في الخروبة، تعرضت مجموعة فاغنر لضربة أخرى، لكن سياسية هذه المرة، عقب محاولة انقلاب فاشلة في روسيا، حيث قاد المحاولة رئيس المجموعة “يفغيني بريغوجين” نفسه، وعبر مقاتلوه من أوكرانيا إلى الأراضي الروسية في 23 يونيو، بعد أن زعموا أن الجيش الروسي هاجم مواقعهم في أوكرانيا.

ومع ذلك، وفي غضون 36 ساعة فقط، أمر قائد فاغنر مرتزقته بالعودة إلى معسكراتهم في أوكرانيا، كجزء من جهود وساطة قام بها رئيس بيلاروسيا، بين فلاديمير بوتين ورئيس مجموعة فاغنر.

تركت محاولة الانقلاب الفاشلة العديد من الأسئلة دون إجابة حول مستقبل مجموعة فاغنر، ومن غير الواضح ما إذا كانت المجموعة ستستمر في العمل في روسيا أم سيتم حلها، كما أثارت محاولة الانقلاب مخاوف بشأن استقرار نظام بوتين ومستقبل المشهد السياسي في روسيا ككل، وبالتالي تراجع النفوذ والتحالفات الروسية في ليبيا.

وعلى الجبهة الأوكرانية، شاركت مجموعة فاغنر في حرب روسيا مع جارتها الصغرى منذ فبراير 2022، وعانى مرتزقتها نكسات مختلفة منذ بداية المعارك، كما تُركت تقاتل بمفردها في الخطوط الأمامية في مدينة (باخموت) وضواحيها، وذلك في معركة استنزاف استمرت لأكثر من شهرين، وتشتتت قواتها مع محاولة الانقلاب في روسيا، حتى أن الأوكرانيين أنفسهم لم يتمكنوا من تفسير ما حدث.

المعارك الطويلة ضد أوكرانيا، ومن ورائها أمريكا وحلف النيتو، وضعت فاغنر والجيش الروسي في معاناة لم تنته فصولها، حيث تكبّدت المجموعة خسائر في أفرادها وآلياتها وكامل عتادها، الأمر الذي لا يهدد وجود فاغنر فقط، بل ويُضر بروسيا نفسها وسمعتها كقوة دولية عظمى لا يُستهان بها

 

أخبار ذات صلة

خارجية الدبيبة تبحث مع السفارة الأمريكية تسهيل إجراءات التأشيرات وتعزيز التعاون

تقارير غربية عن تحول النفط لسلعة ممنوعة.. ومراجعات ليبية للحد من التهريب

مردة: من المتوقع أن يتم الإعلان عن نتائج الانتخابات البلدية بداية الأسبوع المقبل