“الوقود الليبي.. ثروات تستنزف لأعوام”.. من يدفع فاتورة التهريب؟

تملك ليبيا تاسع احتياطي نفطي في العالم، بقرابة 48 مليار برميل نفط، و 53 تريليون قدم مكعب من الغاز، وتنتج نحو 1.2 برميل يومياً في عدة حقول وموانئ تتوزع في شرق البلاد وغربها وجنوبها.

من جديد، يطفو ملف تهريب الوقود على سطح الأحداث المتراكمة في ليبيا، على خلفية سلسلة تقارير تكشف عن عمليات تهريب متواصلة في عدة معابر حدودية إضافة إلى البحر المتوسط إلى خارج البلاد، آخرها ما كشفه تقرير موقع أفريكان إنيرجي البريطاني قبل قرابة أسبوعين بتهريب حمولة تقدر بمليون برميل من النفط الليبي الخام عبر ميناء طبرق في 11 يوليو الجاري إلى الصين مقابل تزويد قائد القيادة العامة خليفة حفتر بطائرات حربية، وبحسب التقرير فإن الشرطة الإيطالية صادرت قبل أيام شحنة من الطائرات الحربية المسيرة التي أشتراها حفتر من الصين بتمويل من مؤسسة النفط كانت متجهة إلى ميناء بنغازي وتم اعتراضها في ميناء جويا تاورو في كلابريا الإيطالية.

مسارات التهريب:
تعتبر مسارات تهريب النفط والوقود الليبي ليست حكرا على الجنوب فحسب، بل تضاعف نشاط شبكات التهريب ووصل إلى الدول الأوروبية عبر ناقلات النفط العملاقة من عدة موانئ أبرزها ميناء بنغازي القديم الذي رصد خلاله خبراء الأمم المتحدة العام الماضي قرابة 24 ناقلة نفط صغيرة تحصل حمولتها إلى 20 ألف طن من الوقود تبحر دون تفعيل نظامها الآلي لتحديد الهوية وتسجيل الموانئ.

وخلال تقريره الأخير تبين لفريق الخبراء أن تهريب الوقود بحرا من المناطق المحيطة بمدينتي الزاوية وزوارة مستمر وتم تحديد عدة مواقع لتهريب الوقود أبرزها موقع سيدي بلاد وتم تنشيطه استجابة لارتفاع أسعار النفط، إضافة إلى طرق التهريب عبر الحدود الغربية والجنوبية الغربية من خلال تلك المسالك.

حملات أمنية:

قبل أيام أعلن اللواء 444 قتال عن توفر الوقود بجميع محطات الجنوب المخصصة، وأشار اللواء 444 قتال أنه أغلق جميع خطوط التهريب بالكامل بعد انتشاره على مئات الكيلو مترات وسط الصحراء، ما أدى ذلك إلى إيقاف تهريب الوقود والمخدرات والبشر من الجنوب إلى الشمال والعكس وفق قوله، وأوضح اللواء أنه سينشر قوائم المحطات التي سيتم تزويدها يومياً على الصفحة الرسمية لشركة البريقة لتسويق النفط.

من جهة أخرى قالت إدارة القانون بالإدارة العامة للعمليات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوحدة في السادس من يوليو بحسب بيان رسمي أنها ضبطت كميات من الوقود المهرب داخل مركبات للمسافرين عبر منفذ رأس جدير الحدودي مع تونس، وأكدت أن الحملة تأتي تنفيذا لقرار وزارة الداخلية الذي يقضي بمنع جميع المسافرين بنقل الوقود عند السفر من ليبيا إلى تونس والاكتفاء بخزان وقود المركبة الخاصة.

وبحسب وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة اللواء عماد الطرابلسي، فإن معبر رأس جدير تخرج منه سيارات التهريب بالآلاف وتمر عبره يوميا 30 شاحنة نفط إلى تونس وكذلك آلاف المهاجرين، مشيرا إلى أن قيمة ما يتم تهريبه عبر المعبر أسبوعيا تصل إلى 100 مليون دولار يخسرها الاقتصاد الليبي.

تطور طرق التهريب:

أكثر من ذلك كشفت صحيفة تايمز أوف مالطا في تقرير نشرته في منتصف مارس الماضي أن تطور تهريب الوقود أصبح عاملا تجاريا بمليارات الدولارات، ويشمل الجهات الحكومية وعصابات الجريمة المنظمة على نطاق واسع إضافة إلى المرتزقة
وبحسب الصحيفة المالطية فإن ما كان ذات يوم تجارة تسهلها قوارب الصيد، أصبح هذه الفترة يجرى على متن سفن كبيرة عابرة للمحيطات، ونوهت الصحيفة أن روسيا أصبحت شريكا تجاريا رئيسيا للطاقة في ليبيا، منذ غزوها لأوكرانيا والعقوبات التي فرضتها أوروبا وأمريكا بعد ذلك، حيث عززت حصتها من 4% قبل الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022 إلى 28% العام الماضي، ما جعلها المورد الرئيسي للوقود إلى ليبيا.

وأشار التقرير أن التقديرات تشير إلى أن 20% من إجمال وقود النقل المستهلك في إيطاليا يأتي من السوق السوداء، وأن أكثر من 4 ناقلات كبيرة تغادر أسبوعيا ميناء بنغازي محملة بالوقود المهرب الذي يكلف البلدان المتلقية إيطاليا أو مالطا أو عدة دول أوروبية أخرى المليارات من الضرائب والرسوم الجمركية المتنازل عنها.

ويجري إنفاق بعض أموال النفط الخام على شراء الوقود من الخارج، خاصة من روسيا وهو الوقود الذي يجري إعادة بيعه بعد ذلك عبر السوق السوداء في البلدان المجاورة مثل تشاد أو السودان، وهو ما يقدر بأكثر من 5 مليارات دولار سنويًا.

التهريب يؤجج النزاعات:

في نهاية مارس الماضي ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية وبحسب مسؤولين ليبيين أن النفط يهرب من الحدود الجنوبية الشرقية إلى قوات الدعم السريع ما يؤجج الحرب في السودان، وأشارت الصحيفة البريطانية إلى اتهامات تتراوح بين الإسراف والفساد، ونقلت عن مسؤولين ليبيين قولهم إن التهريب على نطاق واسع يساعد في توفير الوقود لقوات الدعم السريع، ونبهت الصحيفة أن بعض الأموال قد تذهب أيضاً بشكل غير مباشر إلى الفيلق الأفريقي المدعوم من روسيا.

هذه الشاحنات لا تتحرك وحدها، بل تشرف عليها قوات الفيلق الإفريقي المتحالفة مع خليفة حفتر، الرجل الذي يسيطر على الشرق الليبي وأجزاء من الجنوب، وهو أمر كشفه تقرير للجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية بليبيا في نهاية العام الماضي.

كما رصد فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بليبيا زيادة هائلة في طلبات إمدادات الوقود إلى نقطة التوزيع في منطقة سبها بالجنوب الليبي من 600 ألف لتر إلى 1.2 مليون لتر يوميًا بين أغسطس 2022 وسبتمبر 2023، وهو ما لا يتماشى عادة مع احتياجات السوق الفعلية في المنطقة.

في هذا السياق قدرت دراسة سابقة للبنك الدولي حجم كميات المحروقات المهربة عبر الحدود الليبية التونسية بنحو 495 مليون لتر سنويا، ما يمثل أكثر من 17% من استهلاك المحروقات في تونس.

أخبار ذات صلة

حكومة حماد توجه بتعطيل الدراسة الأربعاء والخميس في البلديات المتضررة بسبب سوء الأحوال الجوية

تزامنا مع ذكرى الاستقلال.. ملك بريطانيا يعرب عن أمله العمل مع ليبيا في القضايا الدولية المهمة

رغم هطول الأمطار بكميات غزيرة.. منسوب مستقر للمياه بسدي وادي القطارة