هل نجحت موسكو في وضع موطئ قدم في تونس؟

أثارت الأنباء المتداولة حول هبوط طائرات عسكرية روسية بمطار جربة بتونس قلقا أمريكيا أوروبيا من توسع نشاط موسكو العسكري خاصة في ظل تخوفات واشنطن من تمركز الفيلق الإفريقي في ليبيا ومنه إلى إفريقيا.

روسيا في جربة

كشفت صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية أنه تم خلال الأيام القليلة الماضية رصد رحلات جوية روسية عسكرية حطت في مطار جزيرة جربة التونسية، التي لا تبعد عن الحدود الليبية سوى 176 كم، دون أن تحدد إن كانت هذه الرحلات لنقل العتاد اللوجستي أو غير ذلك، إلا أنها أثارت تخوفا أمريكيا وإيطاليا من تمركز جديد لفاغنر في تونس، فموسكو متمركزة بقوة في ليبيا وقد أقامت تحالفًا مع الجزائر كما نجحت في تعويض القوات الأمريكية في النيجر وتشاد، في الوقت الذي انسحبت فيه فرنسا من مالي وبوركينا فاسو.

فاغنر في تونس

نقلت “لا ريبوبليكا” عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيطالية قوله: “إن توغل روسيا العسكري في تونس أحد أهم مخاوف الحكومة الإيطالية وإنه ليس مجرد تطور للتحركات الجيوسياسية التي قام بها الكرملين في ليبيا والجزائر ودول الساحل، بل يزيد من خطر تحريك موجة الهجرة نحو السواحل الإيطالية”.

وعبر المتحدث باسم خارجية روما عن قلقه من نشاط فاغنر التي تدعمها روسيا في القارة الإفريقية والتي تغذي النزاعات والهجرة غير النظامية، حتى نحو تونس، مما قد يخلق اختلافات محتملة داخل الائتلاف الأوروبي بخصوص السياسة المتبعة تجاه بوتين.

توجس أمريكا

وزير الخارجية الأمريكي طالب تونس بتوضيحات مفصلة حول ما يتم تداوله في وسائل الإعلام بخصوص الطائرات العسكرية الروسية ما يعكس قلق واشنطن من تنامي الوجود العسكري الروسي في إفريقيا خاصة في ليبيا.

وتستعد أمريكا لبناء تحالف مع أوروبا وإنشاء قوة عسكرية مشتركة مع ليبيا في محاولة لمجابهة التوسع العسكري الروسي وهو ما يفسر وصول عناصر من الشركة الأمنية الأمريكية “أمنتوم” إلى ليبيا لتدريب مجموعات مسلحة عدة في العاصمة طرابلس، ومن المفترض أن تكون هذه القوة العسكرية الجديدة جاهزة للعمل بحلول عام 2025 .

تونس تكذّب

تونس وعبر سفارتيها بباريس وإيطاليا نددت بشدة ما وصفته بـ “الاتهامات” التي نقلتها قنوات إعلامية فرنسية وأخرى إيطالية والتي “أشارت زورا إلى وجود أعضاء من فاغنر بجربة” على حد قولها.

وشدد بيانا السفارتين على أن تونس دولة ذات سيادة تعرف السيطرة على سلامة أراضيها وأنها لن تسمح لأي طرف بمحاسبته، مشيرة إلى أن القناة تنشر معلومات لا أساس لها من الصحة”.

السفارة التونسية بروما، وحسبما نقلته وكالة “نوفا” للأنباء، وصفت التقارير الإعلامية بأنها “معلومات كاذبة” مؤكدة أن “تونس ترفض أي نوع من التدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية”.

وحمّلت تونس مسؤولية تراكم أزمة الهجرة غير النظامية لمن وصفتهم بـ “المسؤولين الأولين عن الوضع أن يتحملوا المسؤولية”.

الكرملين ينفي وجود فاغنر في تونس

روسيا بدورها كذبت، عبر سفارتها في ليبيا، ما نشرته الصحف الأوروبية حول وجود طائرات حربية تابعة لقوات فاغنر في جزيرة جربة التونسية، معتبرة أن الدول الغربية تسوق عبر إعلامها لأفكار غير حقيقية وترويج لأخبار مزيفة.

وقال بيان السفارة الروسية إن وسائل الإعلام في أمريكا وأوروبا كثفت في الآونة الأخيرة من نشر الأخبار عن فاغنر مستندة فيها على التقارير التي تنشرها منصة “عين على فاغنر” التي تنشر باستمرار تقارير حول تحركات فاغنر، ووصفت السفارة هذه المنصة بأنها جهاز استخبارات غربي يعمل على روسيا.

 

علاقات إيطالية

شهدت العلاقات الأمنية الإيطالية الليبية التونسية خلال الأشهر القليلة الماضية تطورا تصدر فيه ملف الهجرة غير النظامية أولوية لدى رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني التي كرّست جهدا كبير لوضع حد للظاهرة حيث زارت تونس أربع مرات وقعت خلالها اتفاقات مع الرئيس التونسي قيس سعيد، كجزء من “خطة ماتي”، بالإضافة إلى قمة أمنية ثلاثية جمعت تونس وليبيا والجزائر بهدف توحيد المجهود الأمنية لحماية الحدود المشتركة والتصدي لتدفقات الهجرة نحو السواحل الإيطالية.

كما زارت ميلوني طرابلس وبنغازي والتقت برئيس حكومة الوحدة الوطنية وقائد القيادة العامة حيث ناقشت معهما ملف الهجرة وضمت مذكرات تفاهم وشراكات اقتصادية وتجارية.

مطامع روسيا

التقارير الأوروبية وفي حال تأكدت المعطيات بخصوص وصول طائرات عسكرية روسية إلى تونس فإنها ستفتح باب التخمينات ما إذا كانت روسيا قد تمكنت من سحب البساط من تحت الاتحاد الأوروبي وكسب تونس حليفا لها، الأمر الذي يتيح لها تعزيز تواجدها الأمني في الساحل الإفريقي حماية لمصالحها أو أن العلاقات الروسية التونسية لا تتعدى طبيعتها الاقتصادية، حيث تضاعفت واردات تونس 435% من القمح الروسي عام 2023 لتبلغ 353 مليون دولار وكذلك تضاعفت وارداتها من الفحم الحجري والنفط ومشتقاتها 3 مرات في عام 2023.

ونهاية العام الماضي زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تونس حيث اتفق مع الرئيس التونسي ووزير خارجيته على تطوير العلاقات الثنائية في مجالات الزراعة والطاقة خصوصا النووية والتكنولوجيات الحديثة والسياحة والتعاون الثقافي والعلمي مؤكدا أن موسكو لا تنوي أن تحل مكان شركاء تونس الآخرين، في تلميح إلى الولايات المتحدة وأوروبا.

وكان عدد من المتابعين للشأن السياسي في منطقة شمال إفريقيا من الذين تمت استضافتهم في وسائل إعلام أجنبية قد رجحوا احتمال أن تونس وإن مكنت روسيا من إنزال طائرات عسكرية في جربة فما هي إلا ورقة ضغط في وجه الاتحاد الأوروبي الذي اتبع ضدها سياسة اقتصادية مغلقة جمد من خلالها المساعدات المالية التي رفض تسريحها بعد التصريحات المتتالية للرئيس قيس سعيد التي نادا فيها باستقلال القرار السياسي والسيادي لتونس.

وتسعى موسكو إلى بسط نفوذ أوسع في القارة الإفريقية خاصة على الساحل والمناطق التي تحوي ثروات طبيعية عبر ملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب الفرنسي والتراجع الأمريكي، في المقابل كثف الاتحاد الأوروبي مؤخرا من أنشطته الديبلوماسية مع بريطانيا وأمريكا لمواجهة الدب الروسي.

أخبار ذات صلة

ليبيا ترفض أن تكون ورقة ضغط، وغياب مصر عن المؤتمر يثير التساؤلات

الدبيبة: لن نسمح بأن تكون ليبيا ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية

حمزة: الإرهاب يضرب في كل مكان وينتقل من دولة لأخرى وغير معتد بالحدود الرسمية