أوقف رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وزيرة خارجيته نجلاء المنقوش عن عملها وأحالها إلى التحقيق، وذلك عقب لقاءها وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي في روما الأسبوع الماضي.
وبحسب قرار رسمي، كلّف الدبيبة مؤقتا وزير الشباب فتح الله الزني، بتسيير العمل بوزارة الخارجية والتعاون الدولي، كما قرر الدبيبة تشكيل لجنة تحقيق مع المنقوش برئاسة وزير الحكم المحلي ومدير الشؤون القانونية بمجلس الوزراء، على أن تحيل اللجنة تقريرها لرئيس الوزراء في أجل أقصاه ثلاثة أيام.
وكشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية الأحد عن اجتماع سري عُقد بين وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين والمنقوش، على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية تربط البلدين. ويُعد هذا الاجتماع، الذي عقد بوساطة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الأول من نوعه على الإطلاق بين وزيري خارجية البلدين.
وبحسب بيان الوزارة الإسرائيلية، قال كوهين “تحدثت مع وزيرة الخارجية عن الإمكانات الكبيرة للعلاقات بين البلدين فضلا عن أهمية الحفاظ على تراث اليهود الليبيين بما يشمل تجديد المعابد والمقابر اليهودية في البلاد”.
وفور انتشار الأنباء حول لقاء المنقوش وخارجية الاحتلال، شهدت الأوساط الليبية ردود فعل غاضبة أدانت اللقاء، وألقت باللوم على حكومة الوحدة الوطنية بالكامل.
فعلى المستوى الشعبي، عبّر عدد من المحتجين في مناطق مختلفة عن سخطهم من اللقاء، حيث تجمع المتظاهرون أمام منزل رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، الواقع في منطقة النوفليين في طرابلس، كما اقتحم محتجون آخرون مبنى وزارة الخارجية الذي يقع فيه مكتب الوزيرة المنقوش، وسط المدينة.
كما خرجت احتجاجات في عدد من المدن والمناطق رفضا للقاء من بينها أحياء في طرابلس والزاوية ومصراتة وبني وليد ومناطق أخرى، ويُعتقد بأن رقعة الاحتجاجات وردود الفعل ستتصاعد في الساعات القادمة، على وقع إدانات من أطراف ليبية مختلفة.
وأبدى المجلس الأعلى للدولة استغرابه من لقاء المنقوش ونظيرها الإسرائيلي، واصفا ذلك بالخطوة المخالفة لقواعد مقاطعة العدو الصهيوني ومنتهكة لقرارات ومواقف عربية وإسلامية، ومسيئة لتاريخ طويل وحافل من نضال الشعب الليبي الداعم والمساند على مر التاريخ للقضية الفلسطينية العادلة.
وفي بيان رسمي، حملت رئاسة مجلس الدولة المسؤولية “لكل من قام بهذا العمل أو شارك فيه أو أشاد به،” داعية كل الجهات المختصة في الدولة “إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات ومحاسبة المعنيين، بما يكفل عدم ترتب أية نتائج على ذلك اللقاء، وبما يحول دون تكراره.”
من جهته أعلن المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق رفض المجلس لما قامت به المنقوش، واصفا اللقاء بــ”العبث الذي تقوم به حكومة عبد الحميد الدبيبة ومحاولة للبقاء في السلطة لأكبر وقت ممكن على حساب ثوابت الشعب الليبي.”
وأشار بليحق في تصريح لقناة العربية الحدث، أن “هذا الأمر ليس من حق نجلاء المنقوش وفق نص القانون رقم (62) لسنة 1957، الذي يحظر التعامل مع إسرائيل، أفرادا ودولة،” مضيفا أن هناك رأيا عاما في ليبيا رافض للقاء المنقوش مع وزير الخارجية الإسرائيلي، مؤكدا أن “كل من يمس ثوابت الشعب الليبي سيطاله القانون عاجلا أم آجلا.”
وقد أدان اللقاء أيضا رئيس اللجنة المشتركة لإعداد القوانين الانتخابية (6+6) عن مجلس النواب جلال الشويهدي، واصفا إياه بالـ “إساءة للشعب الليبي والقضية الفلسطينية،” مضيفا في تصريح لمنصة فواصل أنه يرفض “أي تواصل مع هذا الكيان الذي لم ولن نعترف به،” كما اتهم المنقوش بــ “ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون.”
وفي أول رد رسمي، أقرت وزارة الخارجية بعقد المنقوش اللقاء مع نظيرها الإسرائيلي، مؤكدة أن ما حدث في روما “هو لقاء عارض غير رسمي وغير مُعَدْ مسبقاً، أثناء لقاء مع وزير الخارجية الإيطالي، ولم يتضمن أي مباحثات أو اتفاقات أو مشاورات.”
وعلى وقع الغضب الشعبي والرسمي، نفت الخارجية “جملة وتفصيلا ما ورد من استغلال من قبل الصحافة العبرية والدولية ومحاولتهم إعطاء الحادثة طابع اللقاء أو المحادثات أو حتى الترتيب أو مجرد التفكير في عقد مثل هكذا لقاءات،” مؤكدة أن الوزيرة “رفضت عقد أي لقاءات مع أي طرفٍ ممثلٍ للكيان الإسرائيلي ومازالت ثابتة على ذلك الموقف بشكل قاطع.”
كما جددت الوزارة “رفضها التام والمطلق للتطبيع مع الكيان الصهيوني،” مشيرة “مرة أخرى أن موقفها ثابت تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الشقيق.”
ويأتي لقاء المنقوش مع كوهين وحالة السخط تجاهه، عقب أيام قليلة من اشتباكات دامية شهدتها العاصمة طرابلس، خلفت أكثر من 55 قتيل و146 جريح، حيث كشفت تلك الاشتباكات بين المجموعات المسلحة عن هشاشة الأوضاع الأمنية في طرابلس وفي ليبيا بشكل عام، على الرغم من تكرار الدبيبة لوعوده بشأن معالجة ملف المجموعات المسلحة والفوضى الأمنية، كما تأتي هذه التطورات متزامنة مع فشل الأطراف المحلية في الاتفاق على انتخابات رغم الضغط الدولي، ما خلق حالة جمود شاملة في المسار الساسي في ليبيا.