تحركات السياسيين.. بحث محلي عن الحلفاء ونشاط غربي للاحتواء 

مع ما تعانيه حكومة الوحدة من أزمات محلية، تتعالى الدعوات الدولية بتشكيل حكومة جديدة، للإشراف على الانتخابات، ويبرز على الساحة الليبية مؤخرا نشاط وسفر القادة الليبيين إلى عواصم إقليمية وغربية لصناعة حلفاء جدد، مع التحركات التي تقودها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذين يثيرهما النفوذ التركي، والتوسع الروسي في ظل الحرب التي أشعلها الأخير بأوروبا، وتحاول احتواء الحلفاء الداخليين لأنقرة وموسكو، كل ذلك يبعث بإشارات تفيد بأن تغييرا في خريطة التحالفات وخلطا للمشهد السياسي مقبل، في وقت تعاد فيه الاصطفافات داخليا.

مع تكاسل الأطراف الليبية المتصارعة على السلطة في الوصول إلى توافق ينهي الأجسام الانتقالية، تشهد العملية السياسية خمولا، يسميه اللاعبون الدوليون بالانسداد حينا والجمود مرارا، وتنشط حركة الفاعلين الدوليين داخل ليبيا وخارجها، للبحث عن مخرج لمن علقوا في عنق زجاجة السلطة، وتطير الوفود الليبية من بنغازي وطرابلس وتحط طائرات المؤثرين الإقليميين والدوليين في ليبيا، وتختلط أوراق اللعب لبناء تحالفات جديدة وولادة خصوم جدد.

وما يزيد هذا المشهد جمودا هو الصمت عن مخرجات اللجنة 6+6 المشتركة بين مجلسي النواب والدولة التي صاغت القوانين التي ستحتكم إليها مفوضية الانتخابات في إجراء العملية الانتخابية، مع أن رئيسها عماد السايح في تصريح لفواصل أكد أن إجراء الانتخابات يشترط وجود حكومة تشرف علىها وتحمي قوانينها، كاشفا أن هذا الأمر يعرقل انطلاق إجراءات إقامة الاستحقاق الانتخابي، لإنهاء المرحلة الانتقالية، وهو ما تعلن البعثة الأممية دائما محاولة كسره واستئناف العملية السياسية.

لم يَجِدّ على الانسداد السياسي في ليبيا غير دعوة قريبة أطلقها المبعوث الأممي عبد الله باتيلي لجمع من سماهم الأطراف الرئيسين حول طاولة الحوار الخماسية التي حجز فيها كراسي لقائد “القيادة العامة” خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، دون معايير، وهو ما قابله سياسيون، وممثلو المجتمع المدني وعسكريون بين الاستغراب، والرفض، وبين المطالبة بجعل الطاولة أكبر لتسع كراسي أكثر، وهو ما يراوح من أجله باتيلي للوصول إلى إقناع الليبيين بما يمكن في السياسية وما يجوز، أو يقتنع هو باستحالة الوصوله إلى معالجة الأزمة الليبية، التي جفّلت قبله مبعوثين أمميين، وربما يعوّل على الدور المحوري للقوى الإقليمية المتداخلة في المشهد الليبي.

في أول زيارة له إلى ليبيا بصفته رئيس دبلوماسية أنقرة يحط وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في العاصمة طرابلس، التي تشهد تتدافع الوفود الإقليمية والعربية والغربية، عليها، بعد مرور الذكرى الثانية لفشل العملية الانتخابية التي كان مقررا أقامتها في 2021، يطل فيدان على ليبيا بصفة جديدة بعد زيارتها في آخر مرة كونه رئيس المخابرات التركية، وهذ الصفة تكشف عن تاريخ الرجل الذي سيقود دور تركيا الموجودة على الأرض في الموازنة مقابل التوسع الروسي في ليبيا، ومنافسة اللاعب الأمريكي في تسوية الأزمة الليبية.

يزور الوزير التركي ليبيا في وقت تعصف بالحكومة في طرابلس الأزمات المالية، والكوارث الطبيعية، وأصوات قيادات من مسقط رأس رئيسها عبد الحميد الدبيبة في مصراتة تنادي بالإطاحة بالحكومة، وتمرد يقوده رؤساء وموظفو عدد من الشركات التي أحالها الدبيبة إلى الهيئة العامة لتشجيع الاستثمار وشؤون الخصخصة برفض قراره، فبين كل هذه المشاكل، يُصور هاكان بأنه الحليف الذي يساند رئيس حكومة الوحدة في البقاء على رأسها، في حين يتوقع آخرون أن دوره جاء لإقناع الدبيبة بإجراء تعديل وزاري، أو يكون مع المنادين بتشكيل حكومة جديدة كما انقلب داعمو الدبيبة الغربيون عليه مؤخرا بالدعوة في كل مناسبة بتشكيل حكومة تشرف على الانتخابات.

وعقب فتور الحديث والتفاعل مع دعوة باتيلي، وفي محاولة لتحريك المياه الراكدة في برك المشهد السياسي الليبي، قاد مبعوث الولايات المتحدة ريتشارد نورلاند، تحركا سياسيا على الساحة الليبية أواخر يناير المنصرم، بدأها من الشرق بالاجتماع مع قائد “القيادة العامة” خليفة حفتر، في مدينة بنغازي، بحضور مساعد وزير الخارجية الأمريكي جوشوا هاريس، والقائم بأعمال السفارة جيرمي برنت، ومع اختلاف روايات إعلام طرفي الاجتماع حول المواضيع التي طرحت على طاولتهم، إلا أنها اتحدت في مناقشة دور البعثة الأممية في الوصول إلى تسوية سياسية.

لا يكلّ نورلاند، في كل اجتماعاته، مع المسؤولين الليبيين في المجلس الرئاسي أو مجلسي النواب والدولة وكذلك المفوضية العليا للانتخابات ومنظمات المجتمع المدني، وغيرهم من المسؤولين الغربيين، من التأكيد والتشديد على ضرورة تشكيل حكومة جديدة تشرف على الانتخابات، وهو ما نقل العدوى لزملائه الأوروبيين بتكرارهم الدعوة إلى استبدال حكومة الوحدة بحكومة مصغرة دورها مقتصر على الإشراف على الانتخابات تارة صراحة ومرات ضمنا، وهذا ما يسد الباب أمام فكرة إشراف الحكومة على الانتخابات، إن كتب لهذه العملية الولادة ولم تُفشل كما حدث مع سابقتها.

وفي زيارات متعددة يقوم مبعوث الولايات المتحدة الأمريكية إلى ليبيا ريتشارد نورلاند رفقة نائب مساعد وزير خارجية الولايات المتحدة جاشوا هاريس، والقائم بأعمال السفارة جيرمي برنت، بزيارة شرق البلاد والتعريج على عميد رؤساء برلمانات دول ما عُرف بالربيع العربي، فهو أطولهم مدة وأكسبهم للخبرة: رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الذي أكد له الوفد الأمريكي في الاجتماع معه بضرورة الدفع بالعملية السياسية لتمكين الليبيين من انتخاب قادتهم، مشددا على ضرورة أن يجتمع من أسماهم “الفاعلين المؤسسيين” لمعالجة الخلافات، وتشكيل حكومة تصريف أعمال.

عقيلة الباقي على رأس مجلس النواب لعقد كامل، لم يؤثر انتقاد النواب لاختطاف الهيئة التي يرأسها لقرارهم، أفلت نجوم من خاصموه في الحكومات والمؤتمر الوطني والمجلس الأعلى للدولة وهو باق، يسارع رأس مجلس النواب هذه المرة إلى جمع التحالفات الخارجية، وعرقلة ما يمكن أن يطيح به من رئاسة المجلس النيابي، ويضع عقيلة الشروط ويتقارب قليلا مع رئيس مجلس الدولة ويختلف كثيرا ويَبعد التقارب بينهما، ومع الانغلاق في أفق الأزمة المحلي، يطير عقيلة إلى أنقرة وإلى القاهرة باحثا عن الدعم والمساندة السياسية، ويغادر إلى الدوحة (في ما يبدو) للبحث عن مفاتيح أبواب الداخل الموصدة لدى اللاعبين في الخارج، والأيام المقبلة في ستشهد مزيدا من تقاطر الوفود على ليبيا، في منطقة مشتعلة ولا تحتاج إلى مزيد توتر تبقى فرص إنهاء الأزمة رهينة بتقارب أطرافها ما يؤثر على السلم الاجتماعي، واقتصاد البلاد.

ويبدو أن بعض أقفال السياسية قد يصلح معها تجربة مفاتيح الاقتصاد، فبعد يوم من اجتماع الثلاثي الدبلوماسي الأمريكي نورلاند، وهاريس، وبرنت مع حفتر، يلتقون مع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، فالتقارب السياسي يكون مدخله من الاقتصاد، وهو الذي قرّب بين معسكر الرجمة، وديوان طريق السكة بتنصيبه رئيسا لمؤسسة النفط خلفا لسلفه مصطفى صنع الله، غير أن بن قدارة ليس أحسن حالا بعد الأزمات التي عصفت بالمؤسسة خلال الأسابيع الماضية، بإغلاق أكبر حقل نفطي في ليبيا.

ما دفع المبعوث الأمريكي أثناء لقائه مع بن قدارة إلى المطالبة بحماية استمرار إنتاج النفط وتطويره، مؤكدا أن مستقبل ليبيا الاقتصادي يعتمد على قطاع الطاقة، ولم يرشح شيء عن اللقاء غير الاهتمام باستمرار ضخ النفط في الوقت الذي تعاني فيه أوروبا من أزمة المحروقات بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وربما يكون وسيطا بين معسكر الرجمة وديوان طريق السكة للحد من الوجود التركي والروسي الذي تطالب واشنطن بإخراج قواتهما استنادا إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

ومع كل التحركات وبحث القادة الليبيين عن حلفاء داخليين وخارجيين لإبقائهم في المشهد، يبحث الطرف الغربي على احتوائه، فما الذي سيتمخض عن هذه الزيارات والتحركات محليا ودوليا؟

أخبار ذات صلة

النويري يتهم السفارة الأمريكية بالسعي لتقويض نجاح استقرار السياسة النقدية في ليبيا

خارجية الدبيبة: ملف ترسيم الحدود الليبية التونسية أغلق منذ زمن وأصبح غير مطروح للنقاش

نجل أبو عجيلة المتهم في قضية “لوكربي” يجدد اتهام السلطات الليبية بإهمال قضية والده