عقبات خارطة الطريق، وتعسّر الوصول إلى  انتخابات 24 ديسمبر

 

عقبات خارطة الطريق، وتعسّر الوصول إلى  انتخابات 24 ديسمبر

تمهيد :

ملتقى الحوار السياسي الليبي يتوافق على خارطة

في يناير 2020، أطلقت عملية برلين ودعت إلى استحداث مسار سياسي استنادًا على الاتفاق السياسي لمعالجة الانسداد السياسي، وقد صادق مجلس الأمن على ذلك بموجب القرار رقم 2510 (2020) وقد تمخض عن ذلك تأسيس ملتقى الحوار السياسي. وقد استندت مبادرة برلين على المادة 64 من الاتفاق السياسي التي نصت على الآتي: «للحوار السياسي الليبي، بعد إقرار هذا الاتفاق، أن ينعقد استثناء، بناء على طلب من أي طرف من أطراف الاتفاق للنظر فيما يعتقد أنه خرق جسيم لأحد بنوده.»، وبناء عليه  قامت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا برئاسة «ستيفاني وليامز» الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بتسيير ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي انطلق في الـ 7 من نوفمبر 2020  والذي جمع 75 مشاركا ليبيا من النشطاء السياسيين والاجتماعيين. وفي ختام جولات الحوار توافق فريق الحوار على خارطة طريق لإجراء انتخابات وطنية وشاملة وديمقراطية وذات مصداقية، وذلك في 24 ديسمبر 2021.

نصت المادة الأولى من خارطة الطريق في الفقرة الأولى على أن «الهدف الأسمى للمرحلة التمهيدية هو تعزيز الشرعية السياسية عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية على أساس دستوري». ولذلك فإن دور ملتقى الحوار السياسي هو أن يحقق عودة الشرعية للشعب باعتباره صاحب السلطات، وهو ما يعني أن تكون جميع الأجسام التمثيلية والسيادية الجديدة منبثقة عن إرادة الشعب الليبي.

تتضمن استحقاقات هذه المرحلة التمهيدية إعادة هيكلة السلطة التنفيذية، وذلك بفصل المجلس الرئاسي عن الحكومة وتسمية كل منهما. وقد حصل ذلك بعد وضع معايير للترشح وآلية للاختيار توافق ملتقى الحوار السياسي عليها. كما صيغت وثيقة تحدد اختصاصات السلطة التنفيذية وأولويات عملها. وقد جاء في الباب الخاص بالسلطة التنفيذية في المادة الأولى منه أنه: «تتقيد السلطة التنفيذية الموحدة المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية عبر المواعيد المحددة للمرحلة التمهيدية للحل الشامل».

تضمنت الوثيقة “البرنامج السياسي الوطني للمرحلة التمهيدية للحل الشامل”، والتي تتضمن خريطة طريق تفصيلية بشأن المرحلة الانتقالية التي تنتهي بانتخابات رئاسية وبرلمانية وفق قاعدة دستورية انطلاقا مِن الاتفاق السياسي كإطار عام للحل السياسي، ومن الإعلان الدستوري وتعديلاته، وبناءً على المادة 64 من الاتفاق السياسي.

أهداف هذه الخارطة للمرحلة التمهيدية:

  1. تعزيز الشرعية السياسية عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية على أساس دستوري.
  2. تشكيل سلطة تنفيذية جديدة لتوفير الشروط اللازمة والظروف المواتية لإجراء الانتخابات عبر معالجة القضايا التالية:
  3. بسط السيادة الوطنية على كامل الأراضي الليبية، وإنهاء الوجود الأجنبي.
  4. توحيد مؤسسات الدولة، وتحرير القرار السيادي الوطني من أي إكراه مادي أو تأثير معنوي داخلي، أو خارجي.
  5. تحسين الخدمات والأداء الاقتصادي، وتطوير عمل مؤسسات الدولة والإدارة الرشيدة للموارد العامة.
  6. تمكين المؤسسات المحلية والبلديات من   ممارسة مهامها.
  7. معالجة مسألة الأرقام الإدارية بما يتوافق مع التشريعات الليبية النافذة والعهود والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل الدولة.
  8. إطلاق مصالحة وطنية شاملة تستند على مبادئ العدالة الانتقالية ونشر ثقافة العفو والتسامح بالموازاة مع تقصي الحقائق وجبر الضرر.

 

الإطار الزمني لخارطة الطريق

وضعت خارطة الطريق الإطار الزمني للوصول للانتخابات العامة. فقد جاء في المادة الثالثة من خارطة الطريق:

1 –  تبدأ المدة الزمنية للمرحلة التمهيدية للحل الشامل اعتبارًا من الإعلان عن مخرجات ملتقى الحوار السياسي بتونس شهر نوفمبر 2020.

2 – تنتهي المرحلة التمهيدية للحل الشامل خلال ثمانية عشر شهرًا كحد أقصى على أن تُجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق الاستحقاق الدستوري- يوم 24 ديسمبر 2021.

3-يتولى ملتقى الحوار السياسي متابعة التقدم في قضايا المرحلة التمهيدية حسب المواعيد المحددة.

كما جاء في المادة الرابعة بخصوص الالتزام بالمواعيد «في حال تعذر إصدار القرارات المطلوبة في المواعيد المحددة، يؤول البت فيها إلى ملتقى الحوار السياسي الليبي»

 إخفاقات مسارات خارطة الطريق لملتقى الحوار السياسي 

يمكن تحديد ثلاثة مسارات لخارطة الطريق التي اعتمدها ملتقى الحوار السياسي بهدف إزالة العوائق أمام الانتخابات حتى تتحقق في موعدها:

المسار الأمني:

المسار الأمني الذي تولاه الفريق العسكري من طرفي النزاع والذي اصطلح على تسميته باللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 ، لم ينجح إلا في الإعلان الدائم لوقف إطلاق النار ، وفتح الطريق الساحلي و ما زالت المؤسسة العسكرية منقسمة، بل قوات المرتزقة الداعمة لحفتر تعزز تمركزاتها وتوسعها  في الوسط والجنوب ما يشي بوجود مخطط روسي ربما يتعدى مجرد تغليب كفة حفتر على حكومة الوحدة الوطنية، وثمة تقارير تشير إلى أن قيادتهم   باتت  خارجة  عن سيطرة حفتر وتحييدهم يتطلب جهدا أمريكيا أوروبيا أكثر من سياسي ودبلوماسي.

هذه الحالة ستجعل كل طرف يتمرس خلف ترسانته العسكرية بل وسيعمل على تطوير وجلب المعدات العسكرية الكفيلة بصد أي هجوم مرتقب، الأمر الذي يضعف الثقة في إجراء انتخابات شفافة يستطيع فيها الناخب الإدلاء بصوته دون خوف أو تهديد

أما ما يتعلق القوات  في  العاصمة طرابلس ومدن الغرب الليبي، فتهديُدها ينحصر في نفوذ ومصالح محدودة، و لا يتطلعون إلى الاستيلاء على السلطة، وإن كانوا حريصين على تعزيز نفوذهم غير المباشر لتحصين امتيازاتهم المالية، ولم تنجح محاولات تفكيكها وإعادة هيكلتها ودمجها بشكل حرفي في المؤسسة العسكرية عبر الحكومات المتعاقبة وقد يكون أحد الأسباب المهمة هو دور هذه المجموعات المسلحة تدعيم السلطات القائمة في المنطقة الغربية

ويمكن القول أن المسار الأمني قد مُني بالفشل وأخفقت لجنة 5+5 في إنجاز ما توافقت عليه وفق المدد الزمنية المقترحة، فقد انتهت المدة الزمنية لتنفيذ الاتفاق الأمني والعسكري الموقع في أكتوبر 2020   دون إخراج المرتزقة، أو إزالة الألغام ما يعني أن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعدها أمر ما زال بعيد المنال.

 

المسار الاقتصادي:

بالرغم من استئناف إنتاج وتصدير النفط، لم تتحقق الوعود بتوحيد سعر الصرف، وكذلك «توحيد مؤسسات الدولة» التي نصت عليها خارطة الطريق، ولم يتحقق شيء مما ذكرته «سيفاني وليامز » فيما يتعلق بالمسار الاقتصادي، المتمثل في توحيد الميزانية، والاتفاق حول  خارطة طريق واضحة  لإدارة عائدات النفط، والاستعداد لتوحيد المؤسستين.

محافظ مصرف ليبيا المركزي «الصديق الكبير» اشترط في سبتمبر 2021 انتهاء اللجنة الدولية للمراجعة والتدقيق التي ترعاها الأمم المتحدة من أعمالها لبدء عمليات توحيد «المركزي»، مشددا على أن هناك عوائق فنية ورقابية، على رأسها ارتفاع الديْن العام، وإعادة تشكيل مجلس إدارة المصرف، والتسويات المرتبطة بالترتيبات المالية، وهو ما يشي بأن إنجاز توحيد المؤسسة الاقتصادية الأبرز في ليبيا  “المصرف المركزي” لن يتحقق في الفترة القريبة القادمة وتحديدا قبل 24 ديسمبر ، كما أن وعود توحيد سعر الصرف في ظل انقسام المصرف المركزي من المتعذر تحقيقها.

إن تأخر اعتماد الميزانية، سببه تموضعها في عمق النزاع القائم بين جبهتي الغرب والشرق، فاعتماد الميزانية مقرون عند عدد معطل من النواب، على رأسهم رئيس مجلس النواب «عقيلة صالح» بالمناصب السيادية، وفي مقدمتها مناصب محافظ المصرف المركزي، وفي ظل عدم توحيد مؤسسة المصرف المركزي، وفي ظل عدم تعيين محافظ يخضع لجبهة الشرق السياسية والعسكرية، سيكون وضع الميزانية العامة والإنفاق العام كارثيا، إذا ما جرى اعتمادها دون توحيد المؤسستين.

بلا شك إن رفض البرلمان اعتماد ميزانية الحكومة التنفيذية، جعل الحكومة عاجزة عن تنفيذ أهداف خارطة الطريق، الأمر الذي يقف عقبة كؤودا أمام إنجاز أهداف خارطة الطريق التي بالضرورة تمهد لإجراء الانتخابات في موعدها.

 

المسار السياسي:

يعدّ المسار السياسي هو المسار الأهم الذي مني بإخفاقات كبيرة، والتي من المرجح أن تكون سببا رئيسيا في تعذر إجراء الانتخابات في موعدها.

لا بد من الإشارة أولا أن هناك علاقة وثيقة بين المسار الأمني والسياسي، فجمود المسار الأمني، ألقى بظلاله على المسار السياسي، وكما هو معروف لم ينطلق المسار السياسي إلا بعد تحول كبير في الوضع الأمني الذي كان عنوانه هزيمة حفتر عند محاولته الاستيلاء على طرابلس، وأي جمود أو تطور سلبي أمني يعني جمودا أو تطورا سلبيا في المسار السياسي، ولا يخفى أن التوتر الأمني والعسكري بات حكرا على حفتر فهو من يمسك بخيوط التأزيم الأمني وهو من يحركه.

كما أن الصعوبات والتعقيدات التي تواجه المسار السياسي، وفي مقدمتها الخلاف حول الأساس الدستوري والمناصب السيادية، قابلة للحل إلا ما يتعلق منها بحفتر، فتلك لا يمكن تجاوزها، وأي محاولة للضغط لتمريرها سيكون بمثابة إعلان حرب في نظر حفتر، فهو لن يقبل  ببساطة بدفعه خارج حلبة التنافس السياسي.

في البداية، تمحور الخلاف حول الأساس الدستوري الذي تقوم عليه الانتخابات، ما بين الدعوة إلى إقرار قاعدة دستورية استثنائية تُضمَّن في الإعلان الدستوري، أو إجراء استفتاء على مسودة الدستور التي أعدتها الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، إضافة إلى تعارض مواقف الأعضاء حول الانتخابات الرئاسية من حيث إجرائها تزامنا مع الانتخابات البرلمانية، وإذا ما انتخب الرئيس مباشرة من الشعب أو بشكل غير مباشر من قبل المجلس التشريعي.

والخلاف حول انتخاب الرئيس بشكل مباشر أو غير مباشر، راجع في الأساس إلى غياب الثقة  بين الأطراف المتنازعة، فكل طرف يعتقد اعتقادا جازما أن انتخاب رئيس من الجبهة المقابلة، سيكون على حساب حقوقه وتوجهاته ومصالحه، خاصة في ظل غياب ضمانات عدم تغول الرئيس المنتخب متجاوزا مسؤولياته وصلاحياته متفردا بالقرار.

 

الجدل حول القاعدة الدستورية

توصل فريق الحوار السياسي إلى إجراء تعديل للفقرة 12 من المادة 30 في الإعلان الدستوري بحيث تتضمن تأجيل طرح الاستفتاء على الدستور إلى ما بعد انتخابات ديسمبر وحتى تشكيل سلطة تنفيذية جديدة، على أن تعمل السلطة على تعجيل الاستفتاء على الدستور.

وتضمن البند الثاني أن ينتخب مجلس النواب من خلال الانتخابات الحرة من الشعب، بتمثيل بنسبة 30% للمرأة وبضمان تمثيل عادل للأقليات الليبية، وأن تكون مدينة بنغازي مقرا رسميا له، وتكون أول جلسة عقب أسبوعين من إعلان النتيجة النهائية للانتخابات.

وبسبب الخلاف حول آلية انتخاب الرئيس، قدم أعضاء اللجنة القانونية مقترحين ليتولى ملتقى الحوار السياسي النظر فيهما وحسمهما، واشترطت القاعدة الدستورية، في حال انتخاب الرئيس من البرلمان، أن يحصل كل مترشح على تزكيتين من كل دائرة انتخابية، وأن يحصل على ثلثي أصوات الأعضاء، وإن لم يحصل أحد على الثلثين، تنظم جلسة أخرى خلال أسبوع يشارك فيها المرشحان الحاصلان على أكبر عدد من الأصوات، ويفوز صاحب أكبر عدد من الأصوات، على أن تضم نصف النواب على الأقل.

أما عن خيار الانتخاب من الشعب مباشرة فقد جاء في الخارطة أن ينتخب بالاقتراع الحر المباشر، وبالأغلبية المطلقة للأصوات، على أن تنظم جولة أخرى خلال أسبوعين، في حال لم يحصل أي من المترشحين على غالبية الأصوات.

اللجنة الاستشارية أو لجنة الـ 18، التي أنشئت نهاية العام الماضي 2020، ضمت 18 من أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي، انصب عملها على متابعة مناقشات اللجنة الدستورية المشكلة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وتقديم التوصيات بغرض المساعدة ومن بينها مقترح الترتيبات الدستورية المناسبة المؤدية للانتخابات، وقد قدمت هذه اللجنة قاعدة دستورية من 36 مادة، لم تكن محل اتفاق عند اجتماع ملتقى الحوار السياسي لاعتمادها في أبريل الماضي 2021، وتكرر الأمر بعد أن أحالت البعثة القاعدة المقترحة إلى مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.

تركزت نقاط الخلاف الرئيسية في 3 محاور رئيسية موزعة على 6 مواد، تتمثل في مسألة انتخاب الرئيس، واشتراط عدم ازدواجية الجنسية سواء بالنسبة للرئيس أو رئيس الحكومة وحتى الوزراء، وأخيرا صيغة القسم التي تتضمن عبارة: “وأن أسعى لتحقيق مبادئ وأهداف «ثورة فبراير»” التي أطاحت بنظام معمر القذافي عام 2011.

فقد أصر عدد من أعضاء ملتقى الحوار على تمرير مقترح القاعدة الدستورية المقدم من اللجنة القانونية دون تعديل، ليصير الليبيون إلى انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة، ويصبح من حق حاملي الجنسيات الأجنبية والعسكريين الترشح للانتخابات دون اشتراط تخليهم عن الجنسية وعن المنصب، فضلا عن مرور فترة زمنية بعد تخليهم عن الجنسية والمنصب العسكري.

ومما يثير الاستغراب أن أكثرية أعضاء ملتقى الحوار طالبوا بأن يصير الملتقى إلى التصويت على البنود الست المختلف عليها في القاعدة الدستورية، باعتبار التصويت المخرج الصحيح في حال تعذر التوافق، وقد أخذت به البعثة في جولات سابقة، غير أن طلبهم قوبل بالرفض من قبل الداعمين للقاعدة الدستورية دون تعديل، فكان أن فشل الاجتماع ولم يتم التوصل إلى اتفاق.

 

لجنة التوافقات وفشل التوافق

لم تتمكن اللجان الثلاث: اللجنة المشتركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، واللجنتان القانونية والاستشارية المنبثقتان عن الملتقى، منذ تشكيلها في أكتوبر 2020 من الوصول إلى نتائج حاسمة بخصوص القاعدة الدستورية لانتخاب البرلمان ورئيس الحكومة.

في أغسطس 2021 تم تشكيل لجنة عرفت بلجنة التوافقات، ضمت أربعة أعضاء من ملتقى الحوار، إذ لم يعد يفصلنا عن موعد الانتخابات سوى 134 يوما، وقد اجتمعت لجنة التوافقات أربع مرات لكنها لم تتمكن هي الأخرى من التوصل إلى اتفاق على مقترح واحد للأساس الدستوري، ليتفق غالبية أعضائها على ضرورة إحالة أربعة مقترحات إلى الملتقى، وهي:

الأول: انتخابات برلمانية ورئاسية في ديسمبر 2021، وهو المقترح الذي كان من المفترض تنفيذه من البداية بحسب خارطة الطريق المعتمدة من مجلس الأمن الدولي.

الثاني : انتخابات برلمانية فقط، وتأجيل الرئاسية لحين استكمال الدستور.

الثالث: تأجيل كلي للانتخابات لحين وضع دستور دائم.

الرابع: وإن لم يعلن عنه غير أن تسريبات تقول إنه من المتوقع أن يتضمن تحديد فترة زمنية لا تزيد على 6 أشهر لإنجاز دستور دائم على أساسه تقام الانتخابات؛ أي لا تُترك المدة مفتوحة لوضع الدستور.

كشفت تلك المقترحات تباينا كبيرا بين رؤى أعضائها، وعكست حالة الخلاف الحاد بين قواعدها، سواء من بين أعضاء ملتقى الحوار السياسي، أو المجاميع العريضة في الغرب والشرق والجنوب.

ومما لا شك فيه أن تشتت اللجنة في خياراتها يرجع بالأساس إلى الخلاف حول الانتخابات الرئاسية، ويعود الخلاف إلى الانقسام بين من يريدون أن يدخل حفتر السباق الرئاسي، وبين من يرفضون أن يكون من بين المرشحين، ولن يكون مقترح رفع القيود وإلغاء الشروط أمام الترشح لانتخابات الرئاسة مقبولا، ثم إن حجة منع الإقصاء لن تكون مبررا مستساغا للقبول بهذا المقترح إذ ليس من الممكن الترشح لأهم منصب في الدولة دون ضوابط وشروط.

 

عقيلة يفجر أزمة قانون انتخاب الرئيس، ومجلس الدولة يرد

فشل منتدى الحوار السياسي في اقتراح أساس دستوري وعجز عن الوصول إلى توافق طيلة المدة من أكتوبر 2020 حتى نهاية أغسطس 2021، أي لم يعد يفصل عن موعد الانتخابات سوى أقل من 4 أشهر، وهو ما شجع رئيس مجلس النواب على فرض قانون انتخاب الرئيس تعسفيًا ودون تصويت، محاولا وضع الجميع أمام الأمر الواقع وذلك بإحالة قانون انتخاب الرئيس إلى البعثة الأممية، المكون من 77 مادة، وهو ما أدى إلى انقسام داخل البرلمان، فقد أصدر عدد من النواب بيانا رفضوا فيه ما أقدم عليه رئيس المجلس لعدة اعتبارات قانونية وهي أن إحالة القانون إلى هيئة الانتخابات “دون التصويت عليه يعدّ عرقلة للانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في ديسمبر القادم، بالإضافة إلى أن الإجراء مخالف للإعلان الدستوري المؤقت والاتفاق السياسي والنظام الداخلي للمجلس” .

وعلى الرغم من أن البرلمان لم يعُد السلطة التي تحتكر التشريع، إلا أن رئيس البرلمان وعددا من أعضائه ما زالوا يصرون على دورهم التشريعي المنفرد في تجاهل تمام للاتفاق السياسي (اتفاق الصخيرات) الذي أعاد إنشاء مجلس النواب الذي انتهت مدته، وفق رؤية جديدة جوهرُها التنسيق والتشاور مع المجلس الأعلى للدولة، وهذا ما تشرحه المادة 23 من الاتفاق السياسي التي تُلزم مجلس النواب بالتشاور مع الأعلى للدولة بخصوص إصدار القوانين.

لقد عمد رئيس مجلس النواب وأنصاره إلى مصادمة الاتفاقات على الرغم من أن الاتفاق السياسي يقضي بإشراك الممثل السياسي للطرف الآخر، وهو مجلس الدولة.

إن الغاية من إحالة مشروع القانون إلى البعثة الأممية يأتي في سياق المناكفة السياسية ومحاولة الضغط لتمرير بعض المكاسب على حساب الطرف الآخر. مناورة رئيس البرلمان بشكل مباشر في مصلحة حفتر، وهو أكدته المادة المثيرة للجدل التي أشارت إلى إمكانية ترشح أي عسكري أو مدني لمنصب الرئيس شرط «التوقف عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر» وفي حال عدم انتخابه «يعود لسابق عمله»، ما يعني أن خليفة حفتر رابح في كلتا الحالتين وضامن لمكانته في المشهد الليبي القادم.

ما فعله عقيلة صالح من إرباك متعمد لمسار التفاوض للوصول إلى تسويات وإن كانت صعبة، دفع المجلس الأعلى من جهته إلى ردة فعل متوقعة بإصدار قانون موازٍ، ليحيله هو الآخر إلى البعثة الأممية التي التقطت قانون «صالح» ورحبت به، وقد أراد المجلس الأعلى قطع الطريق على البرلمان، في مواجهةٍ لانفراده من ناحية وإحراج البعثة الأممية من ناحية أخرى، وهو ما يعني مزيدا من الانسداد والتعطيل لإجراء الانتخابات في موعدها.

نشطاء وقوى سياسية في الغرب الليبي أعلنت رفضها القاطع لهذه الخطوة لاعتبارات قانونية وديمقراطية، وهو ما يجعل فرض البعثة للقانون أمرا مستبعدا وإن وقع فستكون البعثة قد تورطت في تأزيم المشهد السياسي، وكذلك لا تُعفى الأطراف الدولية من التأزيم بسبب ترحيبها بالقانون وتعبيرها عن الارتياح لما اعتبرته تقدما في المسار السياسي بعد الانسداد، وهو ما قد يدفع الليبيين مجددا إلى الصدام مرة أخرى على اعتبار أنه انحياز لترجيح كفة سياسية على أخرى.

 

سيناريوهات

بعد هذا البسط لإخفاقات مسارات التوافق، نتوقع حدوث ثلاثة سيناريوهات:

السيناريو الأول: بعد أن تطور الموقف إلى معارضة قوية من القوى السياسية والنشطاء ومؤسسات المجتمع المدني في الغرب الليبي، وإصدار المجلس الأعلى للدولة لقانون موازٍ، وذهابه في اتجاه إصدار قاعدة دستورية بشكل منفرد، لم يعُد أمام البعثة والأطراف الدولية إلا المواءمة بين قانون النواب وقانون مجلس الدولة، أو العودة إلى خيار تقديم انتخابات البرلمان على أن يتم التوافق على موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية بعد حسم ملف الدستور، وهذا مستبعدٌ لتعذر إنجاز هذه المواءمة في هذه المدة الزمنية القصيرة، وإن حصل ذلك فقد يؤدي إلى توافق حول أساس دستوري هزيل، وهو ما يعني الوصول لاتفاق لا يمثل فئات واسعة من الليبيين، خاصة الفاعلين منهم، ليصبح شبح الحرب هو الأقرب.

السناريو الثاني:  في حال ضغطت الإدارة الأمريكية، ربما لترجِّح مقارَبة الفصل بين انتخاب البرلمان وانتخاب الرئيس، وتطرح فكرة إلحاق الانتخابات الرئاسية للبرلمانية وذلك عبر جولتين، وهذا السيناريو ضعيف بسبب أن المسار الأمني ما زال متوترا ولم يحصل فيه تقدم ضامن لإجراء الانتخابات البرلمانية .

السيناريو الثالث : باعتبار أن المدة المحددة في خارطة الطريق 18 شهرًا حتى 24 ديسبمبر، تعدّ مدة مفتوحة، لأنها متوقفة على إنجاز استحقاق دستوري والتشريعات اللازمة له وأهمها «قانون/ قانونا الانتخابات»، ولا خطة في حالة عدم الوصول إلى استحقاق دستوري خلال هذه المدة، ما يعني أن ما حدث في حالة اتفاق الصخيرات قد يتكرر، أي أن الانتخابات لن تجرى في موعدها، وهذا الأرجح خاصة في ظل تعثر كافة مسارات خارطة طريق ملتقى الحوار، وتصاعد الرفض في الغرب الليبي بسبب قانون انتخاب الرئيس الذي التقطته البعثة ورحبت به.

أخبار ذات صلة

المفوضية الأوروبية تجدد التزامها بتحقيق الأمن في ليبيا

حفتر والسفير البريطاني يبحثان تحقيق الاستقرار السياسي في ليبيا

تكالة يؤكد التزام المجلس الأعلى باتفاق القاهرة ويرفض حكومة حماد