في يومهم العالمي.. النجار يروي قصة أطفال التوحّد وإهمال الدولة المتواصل

اليوم العالمي لاضطراب طيف التوحد، مرضٌ حساس يحتاج إلى رعاية وإهتمام خاص لعلاجه، فما أوضاعه في ليبيا بين المراكز العامة والخاصة؟ وهل تدعم الدولة وتوفر الاحتياجات المطلوبة للمصابين به؟

يقصّ مدير المركز الوطني لتشخيص وعلاج أطفال مرضى التوحد “خالد النجار” على فواصل، قصة اضطراب طيف التوحد في ليبيا من البداية حتى النهاية..

يقول النجار، إن الدولة الليبية لم تكن تهتمّ باضطراب طيف التوحد إلا مؤخرًا على خلاف بقية الدول التي اهتمت بهذه الشريحة منذ بداية التسعينيات، أما ليبيا فقد بدأت في أواخر 2007 ترسم المخططات والمشاريع، فكان أول مركز يهتم بحالات اضطراب طيف التوحد هو “جمعية اعتصموا” برعاية عائشة القذافي سابقًا، وقد صُمم لعلاج أمراض أخرى، وبعد ما جُهز بأفضل الأدوات وأحدث التقنيات لم يكتمل بعد ثورة 17 فبراير.

عقب ذلك، جُهز “مركز السواني” لتأهيل وإعادة تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة وقد كان مهتمًا بفئات عدة من ضمنها شريحة التوحد، فلم يكتمل بعد ذلك بسبب سرقته تزامنًا مع بداية النزاعات في عام ٢٠١١، وتم إصلاحه وتجهيزه مرة أخرى ولم يسلم كذلك من السرقة في عام 2014 بسبب النزاعات، وهو اليوم يواصل عمله بعد افتتاحه بإمكانيات متواضعة.

وقد أعرب مدير المركز الوطني للتوحد، عن أمله في أن تتدخل الدولة والجهات المختصة لتقديم الدعم لمراكز التوحد، خاصة السواني، في سبيل الإكمال والاستمرارية.

بعد مخططات لم تكتمل، ومشاريع لم تُوفق، هل أصبح لدى ليبيا وأخيرًا مركز قائم ومختص؟

يوضح مدير المركز الوطني للتوحد، أن العادة جرت على إيفاد مرضى اضطراب التوحد الليبيين إلى دول تهتم بها، وتتكبّد عناء مصاريف العلاج، وفي 2018 أنشئ مركز تابع لوزارة الصحة الليبية بإمكانيات عالية ومتقدمة، ويُعدّ الأفضل في شمال إفريقيا، وستُفتَتح مراكز مماثلة في الشرق والجنوب، ويختص بحالات التوحد من 3 حتى 12 عاما، والاهتمام الأكبر يكون من نصيب شريحة الأطفال من 3 حتى 5، لأن “التدخل المبكر” يُحدث فرقًا في حالة المصاب ويزيد احتمالية العلاج والدمج بالمجتمع.

والجدير بالذكر أن مثل هذه المراكز ضرورية لأهل الطفل أيضا، إذ يحتاج إلى التركيز والمراقبة والاهتمام والدعم والتأهيل الخاص، وإن ظل مع والدين لا يعرفون علّته أو غير مهتمين به قد تسوء حالته مما يجعله يُصاب بنوبات غضب وعوارض أخرى تسبب مشاكل للعائلة قد تؤدي إلى انعدام الاستقرار بالبيت، ما يساهم في تشتيت تركيز الوالدين وقد تتسبب بعض الحالات الشديدة في طلاق الوالدين.

من ناحية أخرى، يذكر النجار أن المصابين باضطراب طيف التوحد يملكون مهارات وقدرات خاصة قد لا يملكها الشخص الطبيعي، وفي الدول الأخرى عادة ما يجري الاهتمام بهذه الشريحة بسبب مساهمتها في الاكتشافات والاختراعات والأفكار المبتكرة والجديدة التي تعمل على حل مشكلات عدة في المجتمع.

وضرب مثالا بالفيزيائي “ألبرت أينشتاين” الذي كان يعاني من “متلازمة إسبرغر” التي تعدّ نوعًا من التوحد، وبعد دعم والدته له واهتمامها الخاص به كانت نتيجة الاضطراب واحدة من أعظم الاكتشافات البشرية في علم الفيزياء.

ويضيف مدير المركز أن قلة الاهتمام بالطفل وعدم التدخل مبكرًا يؤدي إلى تأزم الحالة كلما تقدم في العمر ويزداد مرضه حتى يُصبح عدوانيًا أو منفصم الشخصية أو يعاني من علل أخرى، وفي محاولة لتجنب هذه المشاكل المستقبلية وضع المركز موقعًا إلكترونيًا لمساعدة الوالدين في تشخيص أطفالهم مبكرًا، ويعمل المركز بهذين الأسبوعين على توفير خط ساخن لأولياء الأمور.

ويذكر النجار أن المركز لم يفتتح بعد رغم جاهزيته للافتتاح، بسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة مؤخرًا، وكذلك الوضع الوبائي الذي قد يسبب في حدوث مشكلة نظرًا لكون حالات اضطراب التوحد يعانون من مشاكل صحية أخرى كأمراض القلب ونقص المناعة مما جعل المركز يتريث قليلًا لسلامة الأطفال وصحتهم، مؤكدا أنهم طالبوا الجهات المختصة بتخصيص لقاح كورونا لحالات التوحد قبل الافتتاح لمنع انتقال العدوى بين الأطفال.

وسط تزايد ملحوظ في حالات اضطراب التوحد في البلاد.. ماذا تقول إحصائيات المركز عن أعداد الحالات؟

يكشف النجار أن عدد حالات اضطراب التوحد من مصراتة لرأس جدير بلغ 870، والمنتظرون للتشخيص عند افتتاح المركز أكثر من 500، وما بين المنطقة الشرقية والجنوبية ما يقارب 700 حالة، وفي المنطقة الغربية أكثر من 2000 حالة تقديريًا، هذا بالنسبة لحالات المركز، أما على مستوى ليبيا بالكامل فلا وجود لإحصائيات دقيقة.

هل يعدّ صحيحًا ما يُقال عن أن مسببات التوحد هي المدخلات الإعلامية كالرسوم الكرتونية المتحركة، أو ألعاب الهاتف، أو الإنترنت أو غيرها من الأسباب المتداولة؟

وفق الدراسات والتجارب العلمية الأخيرة حول العالم، فإن العلماء لم يتوصلوا إلى الآن إلى أسبابه ولم يثبت إلى حد الآن أن اضطراب التوحد نتيجة للمدخلات الإعلامية والعولمة وغيرها، وكذلك لم يُعرَف هل هو مرض جيني أم وراثي، فطفل التوحد لديه نفس الكروموسومات والجينات الموجودة بالطفل الطبيعي، ولكن المتفق عليه أن التدخل مبكرًا يحدث فرقًا شاسعًا في حالة المريض.

ما بين إهمال الوالدين وتقصير الدولة.. على من تقع مسؤولية ترك أطفال ليبيين مصابين بالتوحد بمفردهم بالمستشفيات الأردنية لثلاثة أعوام؟

يذكر النجار أن ما يقارب 48 طفلاً ليبيًا يعانون من اضطراب التوحد ما زالوا عالقين في مستشفيات الأردن للعلاج، وأن مجموعة منهم تُرِكت هناك لنحو 3 سنوات دون زيارة واحدة من أهلهم، ما جعل المملكة الأردنية تطالب الدولة الليبية بالحضور وتسلّمهم.

النجار أضاف أن طفلا ليبيا مصاب بالتوحد كان ضحية تعنيف مربية له هناك، كما أن أطفال توحد آخرين موجودين في دول أخرى يتلقون العلاج في بيئات مختلفة تمامًا عن بيئة بلادهم، وبعيدًا عن والديهم وهذا يعدّ خطأ فادحا، فطفل التوحد ينبغي أن يتلقى العلاج في بلاده ومع والديه، فدعم الأم والأب مهم وأساسي في علاجه.

بين قلة المراكز العامة وانتشار المراكز الخاصة لتشخيص وعلاج مرضى التوحد في ليبيا..أيهما أفضل؟

تتحصل المراكز الخاصة للتشخيص والعلاج في ليبيا على اعتمادها من وزارة العمل فحسب، وهذا يعدّ خطأ إذ يُفترض وجود لجنة مكونة من مختصين من وزارة الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية وتُعتمد من وزراة الاقتصاد.

ويوضّح النجار أن دور وزارة الصحة التحقق من الإشراف الطبي والصحي على الأطفال وكذلك الأطباء النفسيين، ودور الشؤون الاجتماعي التحقق من كون المكان مناسبًا أم لا، ودور التعليم التحقق من توفر الوسائل لتنمية قدرات الأطفال وتعليمهم، فيكون تخصص اللجنة التحقق من جاهزية المراكز الخاصة لمرضى التوحد من جميع النواحي قبل منح الترخيص والاعتماد.

ويضيف أن ما يحدث اليوم أن بعض المراكز الخاصة تُفتتح دون أن تملك أقل الاستعدادات للعلاج ما يزيد حالة الأطفال سوءًا، وهذا لا ينفي وجود بعض المراكز التي تعمل بالمعايير المطلوبة، لكنها قلة مقارنة بقية المراكز.

أخبار ذات صلة

ليبيا تشارك في حوار الطاقة الإقليمي والدولي بإسطنبول

خارجية الدبيبة تبحث مع السفارة الأمريكية تسهيل إجراءات التأشيرات وتعزيز التعاون

تقارير غربية عن تحول النفط لسلعة ممنوعة.. ومراجعات ليبية للحد من التهريب