في اتفاق غير معلَن بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة وصدام نجل قائد القيادة العامة خليفة حفتر، قضى بتغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط ورئيسه مصطفى صنع الله، وتعيين محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق فرحات بن قدارة خلفًا له.
طرد فاغنر
الاتفاق الذي جرى بمباركة تركية إماراتية، شمل جوانب عدة، منها فتح النفط، وتشكيل قوة مشتركة لحماية الجفرة والموانئ والحقول النفطية وطرد القوات الأجنبية من المنطقة وإجبارها على مغادرة ليبيا.
نظام جديد
وفق هذا الاتفاق، فهناك مقارَبَة لنظام سياسي جديد تُصنع في ليبيا لحفظ التوازن بين معسكري الشرق والغرب، بمباركة إقليمية “الإمارات وتركيا”.
وبهذه الخطوة يكون عبدالحميد الدبيبة قد قطع الطريق على مقارَبة بلقاسم نجل خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس الوزراء المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا، بعد فشلهم في دخول العاصمة سلميًّا وعدم اعتراف المجتمع الدولي بحكومة باشاغا.
أملاك المهجرين
ويشمل الاتفاق إعادة أملاك مهجري المنطقة الشرقية ولكن بإشراف الحكومة، وليس أي جهة أخرى، وتضمّن أيضا صرف المستحقات المالية “للجيش” التابع للقيادة العامة.
وأكد الاتفاق في المقابل، على تسلم حكومة الوحدة ديوانَ مجلس الوزراء في المنطقتين الشرقية والجنوبية.
صنع الله يقاوم
الرئيس السابق لمؤسسة النفط مصطفى صنع الله، يعود متعجلًا من الحج رافِضا قرار إقالته، وقبل العودة أعلن رفع القوة القاهرة عن ميناءي البريقة والسدرة، بعد اتفاق مع حرس المنشآت ورئيس لجنة الطاقة بمجلس النواب عيسى العريبي، على شحن المكثفات منها لاستئناف إنتاج الغاز.
صنع الله أكّد أن مؤسسة النفط لا تحتكم سيادتها بالولاء لدول لها حسابات أخرى تختلف عن حسابات الوطن، ملمّحًا إلى شبهة الاتفاق الذي جرى خارج ليبيا وكان هو كبش الفداء فيه، بتنسيق إماراتي.
ضربة استراتيجية
ليبيا يمكن أن تلعب دورا في إنجاح أو إفشال دبلوماسية الرئيس الأميركي جو بايدن النفطية في الشرق الأوسط، عبر تحقيق الاستقرار في البلاد واستئناف الإنتاج النفطي، وفق تقرير لصحيفة “ناشونال إنترست” الأمريكية.
كبير الباحثين بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بن فيشمان يؤكد، أن عودة نحو مليون برميل يوميا من النفط الليبي إلى السوق العالمية بسرعة سيوجّه ضربة استراتيجية لروسيا التي نشرت مرتزقة فاغنر في ليبيا، بحسب تقريره الذي نشرته “ناشونال إنترست”.
ويرى بن فيشمان أن على إدارة بايدن إخبار خليفة حفتر، بشكل لا لبس فيه، بضرورة فتح المنشآت النفطية قبل قبوله في أي عملية سياسية، وذلك بصفته مواطنا يحمل الجنسية الأمريكية، يمكن تجميد أصوله وتوسيع الدعوى القضائية المدنية رُفعت ضده مؤخرا بولاية فرجينيا بتهمة ممارسة التعذيب.
وطالب بن فيشمان أيضا الإدارة الأمريكية بضرورة إخبار مصر، المدافع الرئيسي عن حفتر، ورئيسها عبد الفتاح السيسي، أن دعمهم لحفتر يضرّ بمصالح الولايات المتحدة، وأن القاهرة مسؤولة أيضًا عن إعادة إنتاج النفط الليبي.
تسييس النفط
الباحث في مركز كارنيغي والمجلس الأطلسي ومركز المبادرة العالمية عماد بادي، يرى أن تعديل مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، سيزيد من تسييس قطاع النفط في ليبيا، ويجعل نزاهة المؤسسة خاضعة للتقارب قصير الأمد بين حفتر والدبيبة الذي من شأنه أن ينهار في أحسن الأحوال على المدى المتوسط.
ويشير بادي إلى أن الاتفاق يعدّ تعبيرا واضحا عن السياسة الواقعية، وأنه يبدو منطقيًا من منظور أبطاله: فحفتر الذي يعاني من ضائقة مالية يتفق مع الدبيبة الذي يعدّ موقفه السياسي غير مستقرّ، بجسب ما نشره في حسابه على تويتر.
وأوضح بادي أن ما يستفيده حفتر من الاتفاق هو الحصول على الأموال، ووضع حليف شخصيٍّ له على رأس المؤسسة، ودعم مكانته السياسية والعسكرية، وفي المقابل، يستعيد الدبيبة الوصول إلى عوائد النفط، ويؤمّن غالبية مناصب مجلس إدارة المؤسسة، ويحتفظ بدور رئيس الوزراء، ويقوّض خصومه السياسيين، أي رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا.
ويبقى السؤال المهم.. هل يصمد اتفاق أبوظبي وسط متغيرات عدة على الساحة الدولية والإقليمية، ويصنع الفارق، ويكسر الجمود السياسي في المشهد الليبي؟