ليس جديدا إقامة الساسة والقادة لموائد رمضان، فلا تخلو في الدول التي تشهد تداولا سلميا على السلطة من اغتنام إقامتها للترويج لشخصيات أو فكر أو حزب، لكن في ليبيا قد يختلف الوضع، ببروز العسكريين فيها، فبعد مارثون التنافس بين قائد “القيادة العامة” خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة في تنظيم الاحتفالات والأحداث الدولية، ثم استعراض المشاريع المنجزة أو المنفذة، شهدت أواخر شهر رمضان تسابقا بين الرجلين في إقامة موائد الإفطار الجماعي التي خصصاها للعسكريين أو دُعوا إليها أو برزوا فيها.
تزامنا مع ذكرى الهجوم على طرابلس في الرابع من الشهر الرابع عام 2019، أقام قائد “القيادة العامة” خليفة حفتر مأدبة إفطار بمقره في الرجمة بمدينة بنغازي حضرها قادة عسكريون وضباط، ممتدحا أداء الجنود والضباط خاصة في المناورات بالذخيرة الحية التي أجريت منتصف مارس الماضي بمدينة سرت، مبينا أنها كانت تجربة للتمكّن من اختيار الضباط المميزين في المهمات، واعدا أنه في الفترة المقبلة سيكون هناك “ما يسُرّ قلوب الليبيين”، مطالبا الضباط والجنود بمضاعفة العمل وتكثيف الجهد.
لم يوضّح قائد “القيادة العامة” المقصود من الأخبار السارة التي أكنَّها بعد ثنائه على “مناورات درع الكرامة”، وخصّ العسكريين دون غيرهم ببثها فيهم، خاصة أن هذه الوعود جاءت عقب اجتماع مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، وسبقها لقاء مع المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، وسفير المملكة المتحدة مارتن لونغدن، دون تفويت نشاط نجليه آمر عمليات القوات البرية صدام حفتر ورئيس أركان الوحدات الأمنية خالد حفتر في الاجتماع بالعسكريين في الشرق والوسط والجنوب على موائد إفطار وفي غيرها، وفي انتظار وضوح وعد حفتر لليبيين بما سيسُر، يتجلى السباق مؤخرا في الظهور العسكري في الشرق والغرب.
وعلى الضفة الأخرى كانت أغلب المأدُبات التي شارك فيها أو دعا إليها رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة طلابيّة أو اجتماعية، غير أن مأدبة الإفطار في الكلية العسكرية بطرابلس، ومائدة الإفطار الرمضاني بمدينة مصراتة، حضر فيها الطابع العسكري والأمني، عقب حراك ومظاهرات قادها نشطاء محليون في المدينة مناهضين لرئيس حكومة الوحدة، فظهور الدبيبة من مصراتة في هذا التجمع وحوله قادة وضباط عسكريون وأمنيون، من المدينة قد يُفهم منه إرسال إشارات بأنّ له حضورا وشعبية في المدينة رغم الاحتجاجات التي انتقدته.
تأتي هذه المأدبة عقب حراك عسكري واجتماعات في المنطقة الغربية بعد الاشتباكات التي شهدها معبر رأس جدير الحدودي مع تونس، وتشكيل قوة عسكرية مشتركة لتأمين المعبر ودعم الأجهزة الأمنية، وما أشيع عن استهداف بيت مستشار رئيس الحكومة وابن عمه إبراهيم الدبيبة، والاشتباكات التي تشهدها كل فترة مدينة الزاوية بين فصائل مسلحة، كل تلك التحركات والكلمات الموجهة، تجعل المشهد العسكري ضبابيا في الغرب، ومريبا في الشرق.
ومع ارتفاع الأصوات الإقليمية والدولية بضرورة تشكيل حكومة جديدة للسير نحو الانتخابات، هل يستمر وعد الدبيبة الذي قطعه على الليبيين بأن لا حرب بعد تسلمه للسلطة عام 2021؟ أم أن “مايسّر” الذي أطلقه حفتر لن يسر الجميع؟