ذكرت الصحفية فوتورا دابريلي في مقال نشر يوم 6 أكتوبر 2022 بالصحيفة الإيطالية الفاتو كوتيديانو أنه وفقا للمذكرة التركية الليبية يحق لتركيا إجراء عمليات استكشاف في المياه الليبية والأراضي الخاضعة لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية -المشكلة برعاية الأمم المتحدة- واستغلال الحقول الجديدة مع الشركات الليبية.
وقالت إن هذا الاتفاق مقابل الدعم العسكري المقدم من أنقرة والذي سمح خلال الهجوم الأخير على طرابلس بصد مليشيات رئيس حكومة الاستقرار الوطني، فتحي باشاغا المعين من مجلس النواب.
مذكرة
أفادت الصحفية دابريلي أنه بينما يركز الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على الحرب في أوكرانيا، يواصل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان تعزيز قبضته على أفريقيا وليبيا على وجه الخصوص. وقبل أيام، توجه وفد كبير مكون من وزراء الدفاع والخارجية والطاقة والتجارة ومسؤول الاتصالات في رئاسة الجمهورية إلى طرابلس للتوقيع على مذكرتي تفاهم جديدتين مع حكومة عبد الحميد الدبيبة.
وفقًا لبنود هذه الوثيقة، يحق لتركيا استكشاف المياه الليبية والأراضي الخاضعة لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية واستغلال الحقول الجديدة مع الشركات الليبية. لكن ينص الاتفاق أيضا، بحسب بعض الشائعات، على مشاركة الشركات التركية في بناء محطات التكرير وكذلك نقل الطاقة في تركيا وفي الأسواق الأخرى عبر خطوط أنابيب الغاز والنفط القائمة أو التي سيتم بناؤها قريبا. بهذه الطريقة، تستعد أنقرة للسيطرة على موارد جزء من ليبيا، مما يعزز حلم الرئيس أردوغان بجعل تركيا مركزا إقليميا جديدا للطاقة.
وحسب كاتبة المقال، تأتي المذكرة الموقعة مؤخرا مع رئيس الحكومة الدبيبة، المنتهية ولايته رسميا في ديسمبر 2021 -وفق تعبيرها- في أعقاب المذكرة الموقعة في عام 2019 لترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، والتي سمحت للبلدين بتوسيع مناطقهما الاقتصادية الخالصة على حساب اليونان و قبرص ومصر. اتفاق اعترضت عليه في ذلك الوقت الأمم المتحدة وساهم بالفعل في زيادة التوتر في تلك المنطقة من البحر الأبيض المتوسط، حيث تتصادم مصالح أثينا ونيقوسيا وأنقرة. وتصاعد التوتر أكثر بعد توقيع الاتفاقات التي تم التوصل إليها في بداية أكتوبر الجاري بين تركيا والحكومة في طرابلس.
وكانت الأمم المتحدة أول من أدان المذكرات الجديدة وذكّرت بأن حكومة الوحدة الوطنية غير مخولة بالتوقيع على اتفاقيات ملزمة على المدى الطويل حتى لا تحد من عمل الحكومة التي يجب تشكيلها بعد الانتخابات المقبلة والتي لا يزال موعدها غير مؤكد. كما جاءت كلمات الإدانة من الاتحاد الأوروبي، الذي أشار إلى كيف أن اتفاقية 2019 تنتهك بالفعل الحقوق السيادية للدول الثلاث (اليونان، قبرص، مصر) وقانون البحار.
لكن بالنسبة لرئيس حكومة طرابلس، فإن دعم تركيا أهم من دعم الاتحاد الأوروبي أو أي دولة أخرى تطل على البحر المتوسط. لا يحتاج الدبيبة إلى الدعم الدبلوماسي فحسب، بل يحتاج أيضا إلى الدعم العسكري من أنقرة للبقاء في السلطة وتجنب الإطاحة به بالقوة من قبل باشاغا، وهو رجل اختاره برلمان طبرق كرئيس للحكومة وتولى منصبه في سرت في انتظار توليه السلطة رسميا. حصل باشاغا على منصب رئيس الحكومة في ديسمبر بعد انتهاء ولاية الدبيبة، الذي اعتبره نواب برقة رئيس حكومة غير شرعي. ولمنع سقوط “زعيم” طرابلس حتى الآن، فقد كان الدعم الذي قدمته تركيا له على وجه التحديد، حاسما أيضا خلال الاشتباكات التي اندلعت نهاية شهر أغسطس الماضي وانتهت بانسحاب القوات الموالية لباشاغا. وبحسب شائعات مختلفة، فإن استخدام الطائرات المسيرة التركية من قبل القوات الموالية للدبيبة وإدانة تركيا، التي ذكرت مرارا وتكرارا بأن طرابلس تعتبر خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، كان من شأنه أن يضع حدا للأعمال العدائية.
لكن على رئيس حكومة طرابلس أيضا التعامل مع بعض السخط الداخلي، وكذلك مع حالة الاستنكار التي تأتي من برقة. وعشية الاجتماع بين الوفد التركي ووفد طرابلس، أعلن وزير النفط والغاز كيف أن بعض مسؤولياته قد أوكلت فجأة من قبل الدبيبة إلى وزيرة الخارجية من أجل توقيع اتفاقيات اعتبرها غير مواتية للبلاد. إنها إشارة سيئة للغاية بالنسبة لحكومة يشكك في شرعيتها بشكل متزايد ولا يمكنها في هذه الحالة حتى الاعتماد على دعم الأمم المتحدة، التي تستمد منها سلطتها من الناحية النظرية.
تعارض المذكرات الجديدة أيضا اليونان ومصر، وكلتاهما تنتقدان بالفعل اتفاق عام 2019 بشأن ترسيم الحدود البحرية. تخشى أثينا والقاهرة أن تنتهك أنقرة وطرابلس حقوقهما السيادية في البحر الأبيض المتوسط مرة أخرى، وبالتالي أعلنا عن عقد اجتماع لمناقشة الخطوات التالية التي يجب اتخاذها لحماية مصالحهما. كما أوضح وزير الخارجية اليوناني، فإن أي تنفيذ للمذكرات سيعتبر غير قانوني وستكون له عواقب على كل من العلاقات الثنائية بين أثينا وأنقرة وعلى المستوى الأوروبي والأطلسي، حيث أن كلا البلدين جزء من حلف “الناتو”. لذلك، بالنسبة لنيكوس ديندياس، يستمر سلوك تركيا في زعزعة استقرار البحر الأبيض المتوسط وتقويض مصالح اليونان، التي ترى أيضا أن سيادتها على بعض جزر بحر إيجه متنازع عليها.
وتخشى مصر أيضا من آثار المذكرة على مصالحها، لكن ما يقلق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي هو أيضا احتمال إضعاف جبهة برقة التي يدعمها وما يترتب على ذلك من تقوية لتركيا في رقعة الشطرنج الليبية. مشهد يجب أن يثير قلق إيطاليا أيضا، المستبعدة بشكل متزايد من الدولة الواقعة في شمال أفريقيا والتي قد تجد نفسها في المستقبل تتفاوض مع أنقرة للوصول إلى سوق الطاقة الليبي، وهو أمر أكثر أهمية عندما تنفد الإمدادات من روسيا.