بعد أن كان رئيسا مجلسي النواب عقيلة صالح والأعلى للدولة خالد المشري، قاب قوسين من إعلان قاعدة دستورية توافقية تجرى على أساسها انتخابات برلمانية ورئاسية للخروج بالبلاد من أزمتها، فاجأ عقيلة الأوساط السياسية بتصريحات قد تنسف التوافق بين الطرفين كليا.
هذه التصريحات صدرت بعد سلسلة لقاءات لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي مع عدة أطراف سياسية نتج عنها ترتيبات مالية، أجراها مع محافظ المصرف المركزي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، وأخرى مع قائد “القيادة العامة” خليفة حفتر في القاهرة بحضور عقيلة صالح.
تقارب لفظي
ففي جلسة مجلس النواب التي عقدت أمس الثلاثاء في بنغازي، أكد عقيلة أن التقارب مع مجلس الدولة لفظي حتى الآن؛ إذ لم تنتُج عنه أيُّ أفعال، مبينا أن مجلس النواب شكّل لجانًا للعمل السياسي والقاعدة الدستورية والحكومة الموحدة.
وأشار عقيلة إلى أن مجلس النواب هو السلطة التشريعية الوحيدة، ومجلس الدولة استشاريّ، وأنهم على توافق مع استشارته، مشددا على ضرورة اتخاذ مجلس النواب موقفا جذريا لحل الأزمة مع إمكانية التشاور مع الجميع لإنهائها، مطالبا أعضاء المجلس باتخاذ إجراءات شجاعة وجريئة تستهدف إخراج البلاد من أزمتها.
أيدينا ممدودة
وسرعان ما ردّ المشري على هذه التصريحات، قائلا في تغريدة على حسابه في تويتر: “إنّ من أراد التوافق والاستقرار فأيدينا ممدودة للتوافق والاستقرار بقدره وأكثر، ومن أراد غير ذلك فلن يحصد إلا سوء نواياه”، ليعود الصراع مجددا بين الطرفين يطفو على السطح، وهو ما قد يصبّ في مصلحة بعض الأطراف السياسية الأخرى.
وجاءت هذه الخلافات عقب عدة لقاءات جرت بين الرجلين في جنيف والرباط والقاهرة قطعا فيها شوطا كبيرا للتوافق على العديد من النقاط الخلافية بشأن القاعدة الدستورية، ولكنهما أخفقا في التواصل إلى اتفاق حول بعض النقاط أبرزها ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين للانتخابات.
انعدام الثقة
وتعليقًا على كلمة عقيلة صالح، قال عضو المجلس الأعلى للدولة محمد معزب، إن تصريحات رئيس مجلس النواب تؤكد أن التعامل معه محفوف بعدم الثقة، وأن تصريحاته بشأن اختصاص مجلس النواب وحده بإصدار القوانين وفق الإعلان الدستوري، غير صحيحة، لأن مجلس الدولة لم يكن موجودا عند صدور الإعلان الدستوري.
معزب أوضح لفواصل، أن الاتفاق السياسي هو الذي حدّد اختصاصات مجلس الدولة، وأهمها مشاركته مع مجلس النواب في إصدار القوانين، مشيرا إلى أن نقطة الخلاف مع عقيلة هي ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، وأن تيار فبراير كان واضحا منذ البداية بضرورة منع ترشح الفئتين.
ورأى أن محاولات عقيلة الالتفاف والسماح بترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين، لم تنجح، ومنها مقترحه السابق بتخلي الفائز بالانتخابات عن الجنسية الثانية، والآخر بطرح نقاط الخلاف على استفتاء شعبي، مضيفا أن عقيلة يقدّم كلَّ يوم اقتراحا، وقد عرض الآن تعديل الإعلان الدستوري، محاولاً إرضاء وإشباع تعطش حفتر للسلطة، وفق تعبيره.
رأي آخر
من الجانب الآخر، رأت عضو المجلس سارة السويح، أنه لا سبيل لخروج ليبيا من هذا النفق إلا بدستور دائم للبلاد ويكون هذا باتفاق بين مجلسي النواب والدولة وفقا للمادة (51) من الاتفاق السياسي، على حد قولها.
وأضافت السويح في تصريحاتها لفواصل، أن النوايا لو صدقت وتوفرت إرادة سياسية وعسكرية حقيقية لإنقاذ الوطن فيمكن إنجاز الدستور في مدة 4 أشهر ومن ثم إجراء الانتخابات وفقا لدستور البلاد الجديد، حسب رأيها.
تعديل الدستور
وفي سياق تصريحاته، لوح عقيلة صالح بتعديل الإعلان الدستوري إذا لزم الأمر بالتشاور مع المجلس الأعلى للدولة للخروج من الأزمة، مضيفا أن الإعلان الدستوري يعدّ دستورا إلى حين إلغائه أو إصدار دستور جديد، وهو ما يحتاج إلى إجراء حوار مجتمعيّ قبل إصداره.
وردا على عقيلة، طالبت عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور نادية عمران، مجلسي النواب والدولة بالتوقف عن التلاعب بمصير الليبيين عبر التظاهر بالتفاهم تارة والخلاف تارات أخرى والاستمرار في تصدير الأزمات لليبيين وحرمانهم من حقهم في اختيار دستورهم الدائم ومصادرة حقهم في تقرير مصيرهم.
وشددت نادية على ضرورة الإسراع بعرض مشروع الدستور المنجز على الاستفتاء، مؤكدة أنه لا يحق لأحد تعديل الدستور أو التعقيب عليه، موضحة أن نصوص الاتفاق السياسي الذي يستمد منه المجلسان شرعيتهما واضحة، وتقتضي ضرورة التوافق بينهما على عدة بنود منها إجراء التعديلات الدستورية عبر تشكيل لجنة مشتركة، بحسب تصريحاتها لفواصل.
ومع هذه التطورات السياسية المتسارعة في ليبيا، هل يمكن القول إن دور رئيسي مجلسي النواب عقيلة صالح والأعلى للدولة خالد المشري في المشهد بدأ يتقلص شيئا فشيئا أو قد قارب على الانتهاء في ظل استمرار الخلافات؟، خاصة بعد تحركات المجلس الرئاسي الأخيرة محليا ودوليا التي لقيت ترحيبا دوليا وتأييدا من المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، والتي ستجعل للمنفي دورا بارزا في المرحلة المقبلة.