مساعٍ حثيثة تبذل في الآونة الأخيرة بين العاصمتين طرابلس وتونس، في سباق مع الزمن، لإعادة فتح معبر رأس اجدير الحدودي المغلق منذ 19 مارس، إثر هجوم مجموعات مسلحة على القوات الأمنية الموجودة فيه من الجانب الليبي، تسببت في تعطيل حركة التجارة ونقل المسافرين بين البلدين.
شلل الحركة التجارية
مئات الآلاف من الليبيين والتونسيين، الذين يعيشون في المدن الحدودية، يعانون من تبعات غلق المعبر، حيث سادت حالة ركود تام، خاصة وأن المعبر يُعد مورد الرزق الأساسي والمحرك الرئيسي لعجلة الاقتصاد في تلك المدن.
رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير، قال في تصريح لمنصة فواصل، أن مدن الجنوب التونسي، وأهمها بنقردان، تأثرت بالغلق المفاجئ للمعبر، حيث انقطع الوقود المهرب وسلع ليبية أخرى، ما تسبب في حالة ركود تجاري تمثلت في غلق المحلات التي كانت تبيع السلع القادمة عبر رأس اجدير.
وأشار عبد الكبير إلى أن الضرر الحاصل شمل أيضا مدن ليبية، يزدهر اقتصادها من تجارة المواد القادمة من تونس على غرار المواد الغذائية والمواد المعدنية ومواد البناء كالحديد والإسمنت.
وفي كل مرة يغلق المعبر، ترتفع فيها أسعار المواد الموردة في البلدين بطريقة آلية، نتيجة شحّ توفرها في السوق، ما ينعكس بدوره على القدرة الشرائية للمواطنين. كما يلجأ التجار إلى اعتماد طريقة البيع التدريجي للمواد المخزنة وبأسعار مرتفعة.
وكانت حركة التجارة بين تونس وليبيا، قد شهدت خلال السنوات الأخيرة تطورا إيجابيا، حيث بلغ حجم التبادل بينهما 1077 مليون دولار عام 2023، مقارنةً بـ 972 مليون دولار عام 2022، أي بزيادة بنسبة 10.8%. ويسعى البلدان إلى بلوغ حجم تبادل تجاري بـ 1.6 مليون دولار في العام الجاري.
وتمثل المحروقات والسجائر والمنسوجات والأحذية والتجهيزات المنزلية والكهربائية والإطارات، أهم السلع المتجهة من ليبيا إلى تونس، بالإضافة إلى تنامي ظاهرة تجارة العملة وتهريبها.
في الاتجاه المعاكس، تُهرّب سلع كالإسمنت وبعض مواد البناء، ومواد مدعمة كالحليب والزيت والقمح ومشتقاته. إذ تعود أسباب ذلك إلى اختلاف سياسات الدعم بين البلدين.
تعطل مصالح المسافرين في الاتجاهيين
تتقاطع مصالح الشعبين الجارين بين التجارة والعمل والسياحة والعلاج، حيث يعد معبر رأس اجدير نقطة العبور الأقرب بالنسبة للمسافرين برا، ما ينتج عن إغلاقه تعطل هذه المصالح في كل مرة تغلق فيها الحدود.
وقال مصطفى عبد الكبير، في تصريحه لـ “فواصل”، إن المعبر يؤمن ولوج نحو مليون مسافر سنويا، وأكثر من 5 آلاف سيارة في الاتجاهين لأغراض العلاج أو السياحة أو صلة الرحم بالنسبة للعائلات الليبية التونسية المتصاهرة.
في أثناء ذلك، تتعطل مصالح بعض المرضى الّذين يراجعون أطباء في تونس، في انتظار إعادة فتح المعبر. ورغم وجود حلول بديلة على غرار السفر جوا أو بحرا أو عبر معبر ذهيبة-وازن الحدودي، فإن البعض يفضل السفر عبر رأس اجدير، وذلك لمشقة الوصول إلى معبر وازن الذي يبعد أكثر من 300 كيلو متر عن طرابلس.
ويؤمن معبر رأس اجدير، الذي يعتبر الشريان الرئيسي الرابط بين البلدين، تدفقَ آلاف المسافرين يوميا، في الاتجاهين، ولأغراض مختلفة.
حيث يتوافد آلاف الليبيين على تونس، خاصة مدن صفاقس وسوسة والعاصمة لغرض العلاج أو السياحة أو الدراسة. فيما تكون وجهة التونسيون إلى ليبيا للبحث عن فرص عمل أو شراء بعض السلع، إلا أن قرار غلق المعبر، جمد هذه الحركة النشِطَة بين البلدين.
واحتلت ليبيا المرتبة الثانية من حيث عدد السياح الوافدين على تونس، بـ 2.1 مليون سائحا، من إجمالي أكثر من 8 ملايين عام 2023، وفق بيانات الديوان الوطني للسياحة. وتأمل السلطات التونسية من خلال تكثيف لقاءاتها مع الجانب الليبي ازدهارَ سياحتها في العام الحالي.
ضمان استمرار عمل المعبر الحدودي
وتعد مخرجات القمة الثلاثية، التي جمعت ليبيا وتونس والجزائر مؤخرا، مؤشرا إيجابيا في اتجاه إيجاد حل للإشكاليات المتكررة حول عمل المعابر، خاصة وأن معبر رأس اجدير، مثلا، بات هدفا أمنيا واقتصاديا للجانبين الليبي والتونسي. إضافة إلى الإجراءات التي تعمل عليها وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية لتعزيز تأمين عبور المسافرين والبضائع.
يقول، عبد الكبير، إن ضمان استمرار فتح المعبر، رهين الاستقرار السياسي في البلدين، خاصة من الجانب الليبي، إضافة إلى التعاون الأمني. مضيفا أن معبر رأس اجدير، لم يكن يوما مستقرا بشكل كامل حتى قبل 2011.
ويذكر أن وزير داخلية حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي، ونظيره التونسي كمال الفقي، قد اتفقا على تركيب كاميرات وأبراج إلكترونية لمراقبة الحدود، تمتد من منطقة رأس اجدير إلى منطقة مشهد صالح. بالإضافة إلى تشكيل وحدات مشتركة على طول الحدود، بهدف معالجة القضايا الأمنية، ومن بينها التهريب والاتجار بالبشر وترويج المخدرات.