الانقسام الذي أوقع فيه السياسيون ليبيا منذ 2014 ولا تزال البلاد تعاني تبعاته، يظهر جليا في مؤسسات تنفيذية وتشريعية، ويبدو أن بعض المؤسسات خاصة التنفيذية لا يتعدى رؤوسها، ولا يشوب بقية أجسامها، ونعرض اليوم لحالة فريدة من جهتين، أولاها تقلب مسؤول في وزارة واحدة في حكومتين، والأخرى عمل مؤسسة باستقلال عن القيادات وعدم تأثرها بتوجهات في وقت يصعب العمل بمهنية وتخصصية في ظل دولة تعيش فوضى سياسية واضطرابا مؤسساتيا.
انقسام صوري
في مشهد يظهر الانقسام الصوري والارتباك على مستوى قيادات وزارة الداخلية، ووحدة المؤسسة الأمنية والشرطية، وكيل وزارة الداخلية بالحكومة المكلفة من النواب فرج اقعيم، يجتمع مع مدير الإدارة العامة لأمن السواحل بشير بالنور، لبحث الاحتياجات اللازمة للإدارة، في حين أن مقر الإدارة في طرابلس ومديرها يتلقى تعليماته من وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة، وهو دليل على أن الانقسام حاصل على مستوى القيادات العليا ولم تتأثر به الإدارات المتوسطة والدنيا.
مدير الإدارة العامة الأمن السواحل المؤسسة الموحدة في كل ليبيا لم ينحصر دوره في المنطقة الغربية بل يمارس مهامه مع كل فروع الإدارة في الشرق والغرب، ويتفقد النقاط البحرية على طول الساحل، ولم يتأثر بوجود حكومتين ووزارتين للداخلية، وهو ما ينساق معظم أجهزة الداخلية، لالتزامهم التنسيق، والمتابعة والتحريات في المنافذ والحدود، والتقائهم في منظومات موحدة سواء أمنية أو معلوماتية، وهي ميزة توحد الوزارة أكثر مما تؤدي إلى انقسامها، عكس ما حدث ويحدث في المؤسسة العسكرية المنقسمة.
رؤوس عاجزة
اقعيم الذي تقلّد منصب وكيل وزارة الداخلية في حكومة الدبيبة، ثم وكيلا للداخلية في حكومة باشاغا واستمر مع رئاسة حماد، واجتمع له نفس المنصب في الحكومتين ومع الرئاسات الثلاث، وهو ما لم ينله غيره من المسؤولين، وهو المجاهر في ديسمبر 2022 بالقول: “إن وزارة الداخلية جسم واحد لا يقبل التجزئة، مشهود لعناصرها بتأدية مهامها وفق القانون نائية بنفسها عن الخلافات السياسية”.
مع انحصار عمل وزيري الداخلية ووكلائهما في حدود سيطرة حكومة كل منهما، تحرّر المسؤولون في الإدارات والأجهزة الوسطى والدنيا من هذا التقييد، وصاروا حلقة الوصل والاتصال في أداء المهام والتنسيق والتعاون مع زملائهم غربا وشرقا في الوقت الذي عجزت فيه القيادتان العُلييان للوزارتين الشرقية والغربية، ومع أن كل الوزارات، والداخلية كدلك تعاني ازدواجا في الرؤوس، إلا أن الأخيرة ظهرت موحدة الجسم والهدف.