صعدت ليبيا في التسلسل الهرمي للأولويات الأمريكية الإفريقية في ظل محاولتها مواجهة نفوذ موسكو المتزايد إلى جانب خليفة حفتر في شرق وجنوب ليبيا منذ بضعة أسابيع، بينما تفتح قنوات للحوار مع السلطات في طرابلس.
سفن حربية
الحليف الرئيسي لحفتر يعزز قواته على الأرض في ليبيا بعد رسو سفينتي الإنزال الروسيتين “إيفان غرين” و “ألكسندر أوتراكوفسكي”، في 8 أبريل الماضي بميناء طبرق، بعد إبحارهما من طرطوس في سوريا.
وأفرغت السفن معدات عسكرية في طبرق وإلى جنوب ليبيا، محملة بشاحنات أنتجتها شركة كاماز الروسية، شوهدت بعض هذه المركبات وهي تسحب قذائف الهاون إلى القواعد التي يسيطر عليها الفيلق الأفريقي، وهو الاسم الجديد الذي أطلق على قوات فاغنر شبه العسكرية المجددة والموجودة في ليبيا منذ عام 2019 والتي أصبحت الآن تحت سيطرة نائب وزير الدفاع يونس بك. يفكوروف. ويمكن نقل بعض المعدات إلى خارج ليبيا لتكون بمثابة مركز لمسارح عمليات الفيلق الأفريقي الأخرى في منطقة الساحل.
تمثيل اقتصادي
وفي الأسابيع الأخيرة، تلقى الفيلق الأفريقي تعزيزات، يتمركز بعضها الآن بالموقع الاستراتيجي في وسط ليبيا، وعلى مفترق طرق الهلال النفطي وعمق الجنوب وبالتحديد في قاعدة الجفرة الجوية التي تسيطر عليها “القيادة العامة”.
في حين تتمركز بعض وحدات الفيلق الأفريقي في بلدة المرج شرقي بنغازي، حيث يوجد مقر حفتر، إلا أنها أكثر عددا في الجنوب. وتسيطر القوات الروسية على قاعدة القرضابية الجوية جنوب مدينة سرت، كما تتمركز قوات أخرى في بلدة ودان بالجفرة.
في الـ 17 من سبتمبر 2023 سافر يفكوروف إلى المرج للتفاوض على وجود روسي أقوى. وبعد أيام قليلة، استقبل بوتين خليفة حفتر في الكرملين، بحضور وزير دفاعه المعزول، سيرغي شويغو، لمناقشة اتفاقيات التعاون في مختلف القطاعات، بما في ذلك الدفاع.
وتستعد موسكو حاليا لفتح قنصلية لها في بنغازي. وستكون إحدى وظائفها تسهيل وصول الشركات الروسية. وقد نجت الشركات الروسية في ليبيا من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
لعبة مزدوجة
بالإضافة إلى وجودها العسكري الواضح الآن في شرق وجنوب ليبيا، تعمل موسكو على تكثيف الحوار مع السلطات في طرابلس الذي انبثق عن عملية منتدى الحوار السياسي الليبي المدعوم من الأمم المتحدة في عام 2021.
وفي الـ 13 مايو وجهت دعوة لوفد من حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس إلى العاصمة الروسية، لإجراء محادثات مع وزير الخارجية سيرجي لافروف. وضمت اللجنة نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، والقائم بأعمال وزير الخارجية طاهر الباعور، ورئيس الأركان العامة محمد الحداد.
ويتماشى هذا الاجتماع مع الاستراتيجية الدبلوماسية التي وضعها بوتين في ليبيا منتصف عام 2023، والتي تتمثل في تعزيز العلاقة طويلة الأمد مع حفتر، وفتح قناة مع حكومة الوحدة الوطنية.
و يعني الوضع القائم بين السلطات في طرابلس وبنغازي أن موسكو يمكنها الاستمرار في الاحتفاظ بقواتها في البلاد. ولا يزال بوتين يهدف إلى التفاوض بشأن إنشاء قاعدة بحرية على الساحل الليبي.
الرباعية الغربية
وفي ظل النشاط الروسي المتزايد، تسعى واشنطن إلى تحسين استراتيجيتها بشأن ليبيا، وجعل “الأمن ومكافحة الإرهاب” هدفَيْها الرئيسِيَّيْن.
فمنذ مارس الماضي تمكن الأفراد العسكريون الأمريكيون الخاصون من الحصول بهدوء على موطئ قدم في العاصمة طرابلس، وتواصل شركة “أمنتوم” الأمنية الحضور بشكل متكرر إلى مطار معيتيقة.
يشرف المدربون الأمريكيون على تدريب القوات المسلحة المتحالفة مع حكومة الدبيبة كجزء من برنامج مكتب الأمن الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية. وقد سمح هذا لواشنطن بوضع بيادق لها في الغرب الليبي.
وفي الوقت نفسه، تحاول الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا العظمى تشكيل قوة مشتركة مكونة من وحدات تابعة لحكومة الوحدة أو من وحدات مستقلة. ويأتي هذا المشروع بعد المناقشات التي أجرتها اللجنة العسكرية “5 + 5” برئاسة محمد الحداد وعبد الرزاق الناظوري رئيسَيْ أركان طرابلس وبنغازي.
وتركزت هذه المحادثات على تفاصيل كيفية تشكيل هذه القوة العسكرية، بمشاركة المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي. إن تحديد القوى التي سيتم ضمها سوف يستلزم مفاوضات دقيقة، نظراً لأنها ليست جميعها متوافقة مع بعضها البعض.
وتأمل واشنطن وباريس وروما ولندن أن تتمكن من الإشراف على القوة المشتركة وتجهيزها بدعم من الرئيس المنفي. وهذه خطة وضعتها اللجنة الرباعية الغربية للامتثال لنظام عقوبات الأمم المتحدة وبالتالي تجنب انتهاك حظر الأسلحة.