في رحاب الصحراء الليبية الشاسعة، عاش رجل دين جمع بين العلم والأدب، حافظاً للقرآن الكريم، ومتمسكاً بتعاليم الإسلام، هو الشيخ مفتاح سليمان احمودة الفاخري ولقبه (بوعمية) من بيت أم شيبة الفواخر.
ولد الشيخ مفتاح حوالي عام 1877 في مدينة سلوق غرب بنغازي، حيث تلقى تعليمه الأولي قبل أن يشد رحاله إلى الأزهر الشريف في مصر، لدراسة العلوم الشرعية والتضلع في فقه الدين الإسلامي الحنيف. وبعد عودته لبلدته، برز كفقيه وشاعر محنك، في بيئة تعج بالشعراء والفقهاء ورجال الدين الكبار مثل الشيخ عيسى الفاخري وآخرون.
امتازت قصائد الشيخ مفتاح بالفصاحة والحكمة، وكان ينظمها باللغة العربية الفصحى معبراً عن حب الوطن ووصف الحياة البدوية والطبيعة الخلابة، خاصة وصف الإبل. كما تغنى بالوعظ والنصائح الدينية والأخلاقية في أشعاره.
تميز الشيخ بحفظه للقرآن الكريم وإتقانه لعلومه، وكان مرجعا للإفتاء ومقصدا لطلاب العلم الشرعي من كل مكان، حتى عُرض عليه منصب مفتي ليبيا أكثر من مرة إلا أنه رفض ذلك مفضلاً البقاء بعيداً عن السلطة.
قضى الشيخ مفتاح بوعمية الفاخري حياته في خدمة الدين والعلم والأدب، حتى وافته المنية في بداية عام 1984 عن عمر ناهز 107 أعوام، تاركاً إرثاً دينياً وأدبياً غنياً يجسد روح الصحراء وحكمة أهلها.
في قمة قوة نظام القذافي، يروي التاريخ أن الشيخ مفتاح بوعمية الفاخري أبدى شجاعته أمام القذافي وبحضور عبد السلام جلود بقوله:
“العمر عندَ اللهِ والرزقُ في السماء .. والله لا عليَّ جلودَها لا عقيدَها”
في موقف يجسد رفضه لخضوع الفتوى الدينية للسلطة، وتمسكه بمبادئه ورفض المساومة على عقيدته مهما كانت المغريات.