أعرب المجتمع الدولي عن قلقه البالغ إزاء الأوضاع المتفاقمة في ليبيا، وخاصة ما يتعلق بالإنفاق الحكومي غير المنضبط، وغياب الميزانية الموحدة، التي باتت تمثل حجر الأساس في مساعي تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد.
الإحاطة الأولى
خلال جلسة مجلس الأمن الدولي يوم أمس الخميس، والتي خُصصت لمناقشة تطورات الأزمة الليبية، شددت المبعوثة الأممية الجديدة إلى ليبيا، هانا تيتيه، في أول إحاطة رسمية لها منذ تعيينها، أن استمرار الانقسام المالي بين المؤسسات الليبية يُفاقم من حالة عدم الاستقرار، ويقود البلاد نحو انهيار اقتصادي محتمل، ما لم يتم التوصل إلى ميزانية موحدة تعكس الأولويات الوطنية وتعزز الرقابة والشفافية.
غياب الميزانية
وقالت تيتيه خلال إحاطتها إن غياب ميزانية موحدة يضاعف من حدة التضخم ويضعف قيمة الدينار الليبي، ويترك الاقتصاد في مهب الريح، مؤكدة أن البعثة الأممية تعمل مع خبراء اقتصاديين على تحديد الإصلاحات اللازمة لتحقيق الاستدامة المالية، ووضع إطار موحد للإنفاق يعالج الاختلالات الهيكلية ويعيد الثقة إلى المؤسسات المالية الليبية.
خارطة طريق
وأضافت أن الأمم المتحدة تسعى لتقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية من خلال جلسات فنية وتشاورية تهدف إلى الاتفاق على خارطة طريق مالية، مشيرة إلى أن ليبيا بحاجة ماسة إلى قرارات اقتصادية “سيادية ومسؤولة”، توقف نزيف الإنفاق وتمنح الأولوية لتحسين الخدمات العامة ودفع عجلة الاقتصاد.
دعوات دولية
وفي إحاطتهم خلال الجلسة، شدد عدد من مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن على أهمية التوصل إلى ميزانية موحدة كمدخل لحل الأزمة الشاملة في ليبيا، مؤكدين أن الوضع لم يعد يحتمل المزيد من التأجيل أو التجاذبات السياسية.
حماية الدينار
ودعا مندوب الولايات المتحدة الأطراف الليبية إلى تحمّل المسؤولية الوطنية، والتوصل إلى اتفاق سريع بشأن الميزانية الموحدة من أجل حماية الدينار الليبي وتحقيق استقرار اقتصادي حقيقي.
وضع مقلق
وشددت المندوبة البريطانية على أن الوضع الاقتصادي “مقلق للغاية”، داعية القيادات الليبية إلى تجاوز المصالح الضيقة وتغليب المصلحة الوطنية، وأكدت على أهمية بناء الثقة من خلال تطبيق القوانين المحلية وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد، مشيرة إلى أن التوترات الأمنية والتحشيدات العسكرية تزيد من تعقيد المشهد.
الأصول المجمدة
بدوره أشار مندوب روسيا إلى غياب التقدم في المسار السياسي، داعيًا إلى تشكيل هيئة شاملة تمثل كافة الأطراف الليبية في المشاورات، ومشددًا على ضرورة إحياء عملية برلين بعناصرها الأساسية، وعلى رأسها تشكيل مؤسسة عسكرية موحدة قادرة على ضبط الأوضاع الأمنية، لافتًا إلى أن الأصول الليبية المجمدة يمكن أن تكون جزءًا من الحل الاقتصادي إذا أُحسن استخدامها.
الإنفاق الحكومي
وفي سياق متصل، كشف تقرير رسمي صادر في 6 أبريل أن إجمالي الإنفاق العام بلغ 224 مليار دينار خلال 2024، منها 123 مليار دينار لحكومة الوحدة الوطنية و59 مليارًا للحكومة الليبية.
كما أشار بيان المركزي إلى خطورة الاستمرار في الإنفاق الحكومي غير المراقب، مؤكدًا أن عدم وجود ميزانية موحدة يُعطل عمليات التخطيط المالي ويضعف قدرة الدولة على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين. ودعا المصرف إلى وقف أي قرارات إنفاق خارج الأطر الرسمية، مطالبًا بتفعيل أدوات الرقابة المالية والتنسيق بين الحكومتين في الشرق والغرب.
مطالبات وتساؤلات
يبدو أن المجتمع الدولي بات أكثر إدراكًا لحجم التحدي الاقتصادي في ليبيا، واضعًا الميزانية الموحدة كشرط لا غنى عنه لإنقاذ البلاد من الانهيار، وتبرز العديد من الأسئلة، بينها: إلى أي مدى يمكن للبعثة الأممية النجاح في دفع الأطراف الليبية نحو إصلاح اقتصادي فعلي؟ وما الذي يمنع مجلس الأمن من اتخاذ قرارات أكثر إلزامية تجاه الجهات التي تعرقل توحيد الميزانية؟