ذكر الكاتب ألفارو إسكالونيلا في مقال له بموقع أطالايار الإسباني في نسخته الفرنسية بتاريخ 4 أكتوبر الجاري أنه لا يوجد نقص في المرشحين لاستضافة خط أنابيب الغاز العابر للصحراء، ووفقا للتقديرات الأولية يمكن أن يزود المشروع البالغ قيمته 13 مليار يورو أوروبا بنحو 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، ما يقارب ضعف كمية الغاز التي استوردها أعضاء الاتحاد الأوروبي خلال عام 2021 من روسيا، وسيوفر تنفيذه بديلا ناجعا للغاز الروسي، الذي قوض الاعتماد عليه قدرة الحلفاء على التصرف في أعقاب غزو أوكرانيا.
لقد اقترحت الخطة لأول مرة منذ ما يزيد عن أربعين عاما، ووقعت خلال عام 2009 بعض الاتفاقيات بين الدول، لكنها لم تؤت ثمارها، وفيما تمر أوروبا هذه المرة بأزمة طاقة غير مسبوقة، يأخذ مشروع بناء خط أنابيب الغاز عبر الصحراء أهمية بالغة، ما يفسر سبب قيام نيجيريا، -الدولة التي تمتلك أكبر احتياطيات طاقة في أفريقيا والمروج الرئيسي للمشروع- بإعادة إحياء الاتصالات لتشغيل خط أنابيب الغاز في أقرب وقت ممكن وفي وقت قياسي، كما تطلب بروكسل سرعة الانطلاق حتى يصبح كل شيء جاهزا في غضون عامين.
اقتراحان
وفقا للخبراء، لم يرسم الطريق بعد، وهناك اقتراحان قابلين للتطبيق على الطاولة، الأول من قبل الجزائر والثاني من المغرب، وقد قعت نيجيريا بالفعل مذكرة تفاهم مع البلدين اللذين يواجهان مأزقا دائما بشأن نزاع الصحراء الغربية والمتنافسين على الهيمنة في المنطقة المغاربية، هذا وقد قطعت منذ أغسطس 2021 العلاقات الثنائية رسميا، لذلك بعيدا عن الظروف الجغرافية، من المستبعد أن تتعايش في أي وقت المبادرتان أو تتقاربان.
يذكر أن لدى الجزائر امتياز، فطول البنية التحتية أقصر مما اقترحته الرباط، ويجب أن تمر فقط عبر النيجر، العمود الفقري لمذكرة التفاهم الثلاثية الموقعة في يوليو، فيما يشمل الاقتراح المغربي عشرات البلدان، من بينها غينيا وموريتانيا والسنغال وغامبيا، من بين دول أخرى، صحيح أن التمرد الجهادي يهز منذ سنوات أسس النيجر، لكن على الرغم من حدة الأزمة، يمكن إدارتها إلى حد ما. لم يتخذ أي قرار حازم حتى الآن، لكن دخلت ليبيا، خلافا لكل التوقعات، في سباق استضافة خط الغاز العابر للصحراء، وكشفت حكومة الوحدة الوطنية خلال سبتمبر الماضي أنها قدمت في القمة الوزارية لمنظمة منتجي البترول الأفريقيين ترشيحها رسميا لنيجيريا، وبحسب المتحدث الرسمي باسم الحكومة المؤقتة محمد حمودة، أعلن ذلك في مؤتمر صحفي لوزير النفط الليبي، محمد عون، الذي أطلقت وزارته قبل ذلك بأشهر “دراسات فنية واقتصادية حول جدوى المشروع”.
وكشروط للبداية، على الأقل من وجهة نظر جغرافية، سيكون ذلك أكثر ربحية من الاقتراح الجزائري، لتختصر المسافة بحوالي 1000 كيلومتر، وسيكون من الضروري فقط عبور تشاد، بحيث تؤدي المسافة الأقل إلى تقليل تكاليف التشييد والوقت، ما يترجم إلى انخفاض أسعار الغاز، وتجعل هذه الخصائص الاقتراح الليبي ممكنا.
عقبات
لكن هناك عقبات على درب هذا الطريق من الضروري التغلب عليها: أولا، حالة عدم الاستقرار السياسي التي ابتليت بها البلاد منذ الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011، بحيث غدت ليبيا منذ ذلك الحين أرضا قاحلة، فالتقسيم المؤسسي الحالي وازدواجية الإدارات -واحدة في الغرب ومقرها طرابلس وأخرى في الشرق ومقرها في طبرق- يقوضان أي فرصة للتطور، لتكون القطيعة بين حكومة الوحدة الوطنية بزعامة عبد الحميد الدبيبة وحكومة الاستقرار الوطني بزعامة فتحي باشاغا -المتحالفة مع رئيس البرلمان عقيلة صالح والجنرال خليفة حفتر- كاملة.
كما يهدد وجود مرتزقة روس من مجموعة “فاغنر” في ليبيا مخططات طرابلس، وتسيطر هذه المجموعة التابعة للكرملين على الكثير من المنشآت النفطية، وتمنع حكومة الدبيبة من الوصول إلى حقول النفط، إن المرتزقة يعملون نيابة عن الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر، مضيفهم على الأراضي الليبية، وقد كتب المحلل روبرت يونياكي في مجلة فورين بوليسي أن وجودهم “يضع الكرملين على أنه حجر عثرة في هذه الحسابات المستقبلية، أو على الأقل كورقة لعب في المفاوضات”.
ويضيف الكاتب أن ليس من المستبعد على الإطلاق أن تستخدم روسيا قدرتها على زعزعة الاستقرار لتخريب خط أنابيب الغاز العابر للصحراء في حال تمكنت ليبيا من الموافقة على مشروعها، خاصة وأن تنفيذه سيقدم بديلا للغاز الروسي، كما يتفاقم هذا العامل بسبب وجود مسلحين تابعين لتنظيم “داعش” بأقصى جنوب ليبيا، والهجمات على قوات الأمن هناك منتظمة.
مع كل الحقائق المطروحة على الطاولة، يبدو العمل معقدا، لكن طرابلس ليست وحدها في حملة الإقناع هذه: وفق صحيفة العرب اليومية، تقف أنقرة إلى جانبها، وقد يضغط رجب طيب أردوغان على أبوجا لتنفيذ خطط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، ويمكن أن يستفيد القطاع التجاري في تركيا من مشروع من شأنه أن يجعل هذا البلد المغاربي الشاسع مركزا للطاقة بين أفريقيا وأوروبا.
في المقابل تتقدم الجزائر أشواطا في المفاوضات ومن غير المرجح أن تستسلم، وهذا أقل ما يحدث، حتى لو كانت هناك علاقات متقلبة بين القادة الجزائريين وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، وقد دعمت الجزائر حكومة الوفاق الوطني بزعامة فايز السراج، وقبلها الإسلاميين، كما تقيم علاقات جيدة مع تركيا أردوغان، لكن هناك مصالح متبادلة لا يمكن التغلب عليها هنا.
تحالف
هذا وقد تعزز التحالف غداة الزيارة الدبلوماسية الإثنين الماضي بين أنقرة وطرابلس، ما أسفر عن توقيع مذكرة تفاهم للتنقيب عن المحروقات، تتضمن تعزيز الدعم للحكومة المؤقتة برئاسة الدبيبة، والحقيقة “لا توافق تركيا على مدة ولاية رئيس الحكومة المؤقت”، يشرح جلال حرشاوي المختص في ليبيا والعضو المنتسب بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، لذلك تلعب تركيا في كلا الاتجاهين، حيث تحافظ على الاتصال مع كلا الجانبين حتى لا تثير غضب شركائها الداخليين والخارجيين.
ويؤكد حرشاوي أن تركيا “تعمل وفق احتياجات أردوغان”، يحتاج الرئيس إلى رأس مال سياسي ليعاد انتخابه في الانتخابات المقبلة، كما أن الاقتراع ليس في صالح الزعيم الإسلامي، وقال المحلل لـموقع أطالايار إن هذا النوع من الاتفاق “يحسن صورتها” لأن من بين أمور أخرى، “ليبيا مفيدة حقا لتركيا، خاصة من وجهة نظر قومية”.
كما تضع مذكرة التفاهم الموقعة من قبل الطرفين رجال الأعمال الأتراك في طليعة الاستفادة من موارد الطاقة الهائلة في ليبيا، سواء في البر أو البحر، وأضاف حرشاوي “حتى الآن، لم يفعل أي شيء لصالح الشركات التركية”، في المستقبل الافتراضي، إذا حل الانقسام المؤسسي واستعادت حكومة الدبيبة السيطرة على مؤسسة النفط الوطنية، من المحتمل أن تفعل ذلك، إذا تمت الموافقة على مشروع خط الأنابيب الليبي العابر للصحراء، لدى أنقرة كل شيء لتكسبه، لأنه من بين أمور أخرى ، “لا يمكن لـ الدبيبة أن يرفض أي اتفاق”، إنه ليس في وضع يسمح له بقول لا بسبب ضعف موقعه “، يؤكد المحلل.