بعد أن ظل منصب المبعوث الأممي شاغرا لأشهر، اختير السنغالي عبد الله باثيلي، مطلع سبتمبر المنصرم، مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، بعد فترة صراع بين دول في اختيار مبعوث أممي جديد لليبيا، داخل أروقة مجلس الأمن حينا، وخارج أروقته حينا آخر.
كان الجزائري صبري بوقادم قريبا من هذا المنصب أيضا، لكن ترشيحه شهد اعتراضا قويا من الإمارات، وما لبثت أن رحبت الجزائر بتعيين باثيلي، رغم مجيئه على حساب مواطنها.
اعتراض
قبل اختيار باثيلي بنحو أسبوعين، اعترضت ليبيا على ترشيح عبد الله باثيلي لمنصب المبعوث الأممي إلى ليبيا على لسان مندوبها الدائم في الأمم المتحدة الطاهر السني منتصف أغسطس الماضي، داعيا إلى ضرورة إجراء مفاوضات مع ليبيا بشأن اختيار المبعوث لضمان نجاحه في عمله، متمنيا في الوقت نفسه أن يكون المبعوث من إفريقيا، لافتا إلى ضرورة أن يكون مؤهلا أكثر، في إشارة إلى عدم أهلية باثيلي، أو نقصانها في أقل تقدير. في المقابل جاءت تصريحات المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، بأن تعيين مبعوث جديد إلى ليبيا ليس مسألة ليبية فقط، مع وجود تحديات تعود إلى انقسامات حول اسم المرشح الجديد.
السني وباثيلي
يبدو أن طاهر السني لم يجد بُدّا من قبول باثيلي بعد اختياره رسميا، فغرد على توتير: “سعدت بلقاء باثيلي، ورحبنا ببدء مهمته كونه أول مبعوث أفريقي لليبيا، وحرصه على أن تكون أولى لقاءاته الرسمية مع البعثة الليبية في نيويورك”، وانعقد اجتماع بين الاثنين، لبحث الأوضاع السياسية في البلاد.
الدبيبة في السنغال
رحبت حكومة الوحدة الوطنية باختيار باثيلي مبعوثا أمميا إلى ليبيا، وبعد حوالي 10 أيام من تعيينه، زار رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة السنغال، للقاء رئيسها ماكي سال الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، ولم يذكر في نتائج الزيارة المعلنة أي مسألة تتعلق بباثيلي، واقتصرت على تفعيل عدد من المشاريع السياسية والاقتصادية لليبيا في القارة الإفريقية، وتأكيد الرئيس السنغالي على دعم الاتحاد الإفريقي لتحقيق رغبة الشعب الليبي في إنهاء المراحل الانتقالية والذهاب إلى الانتخابات.
سناريوهات متوقعة
مع قربه مجيئه لليبيا لبدء مهامه، تبرز عدة سيناريوهات أمام المبعوث الأممي الجديد، منها بوجه عام: إكماله لمسار المستشارة الأممية السابقة ستيفاني وليامز، أو إطلاقه لحوار سياسي جديد بين الأطراف الليبية، أو عقد مؤتمر دولي ورسم خارطة طريق جديدة.
مؤشرات
بعد ترحيب دولي واسع بباثيلي مبعوثا أمميا جديدا إلى ليبيا، تشير تصريحات عدة نحو دفع المبعوث الأممي إلى العمل على تحقيق الانتخابات، أبرزها تصريحات السفير والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، حيث دعا جميع الأطراف للعمل مع باثيلي لوضع خارطة طريق واضحة لإجراء انتخابات، باعتبارها الحل الوحيد في ليبيا. واجتماع مبعوث وزير الخارجية الإيطالي إلى ليبيا نيكولا أورنالدو، مع المبعوث الفرنسي الخاص إلى ليبيا بول سولير، الذي قالا في ختامه، إن الانتخابات هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على وحدة ليبيا واستقرارها، مشيرَين إلى أنها مطلب حثيث للشعب الليبي، مؤكدَين التزامهما بدعم المبعوث الجديد لتحقيق هذا الهدف.
عوائق
سعي باثيلي نحو عقد الانتخابات، تقف أمامه عدة عوائق، أهمها انقسام مجلسي النواب والدولة على مواد بالقاعدة الدستورية، على رأسها الخلاف حول شروط الترشح للرئاسة، فبعد أن قال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إنه قد توصل إلى اتفاق مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري بخصوص استبعاد شروط الترشح للرئاسة من القاعدة الدستورية وتركها للجسم التشريعي الجديد، تبعته تصريحات ترى في هذه الخطوة أملا في عقد انتخابات برلمانية، ثم تسند للبرلمان الجديد مهمة النظر في شروط الترشح للرئاسة، منها ما صرح به عضو المجلس الأعلى عادل كرموس لفواصل، لكن سرعان ما نفي المشري هذا الاتفاق، معيدا الخلاف إلى نقطته الصفر.
تطلع للرئاسي
يقابل خلاف المجلسين تلويح من المجلس الرئاسي باعتماده لقاعدة دستورية حال فشل المجلسين في إقرارها، وإنهاء خلافهما في بعض موادها، لكنها تلويحات وُئدت في مهدها، إذ لم يعقبها تحركات للرئاسي في هذا الاتجاه.
هيئة صياغة الدستور
يرى أعضاء من الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، أن خلاف المجلسين حول بعض مواد القاعدة الدستورية، استمرار للعبث السياسي التي تشهدها ليبيا حاليا، على حساب إرادة الشعب الليبي، داعين في أكثر من بيان إلى ضرورة عرض مشروع الدستور للاستفتاء عليه من الشعب، أو اتخاذه قاعدة دستورية مؤقتة تصاغ وفقها القوانين اللازمة للانتخابات، متهمين البعثة الأممية بتركيزها على المراحل الانتقالية لا المسار الدائم للبلاد، وأنها تقصي هيئة الدستور من أي حوار رغم مبادراتهم الكثيرة للحوار وتجاوب الهيئة معها.
ملتقى الحوار أول المتهئّين
مع قرب وصول باثيلي إلى ليبيا، بدأ أعضاء ملتقى الجوار في عقد اجتماعات، حسب ما صرح به عضو الملتقى ومجلس الدولة موسى فرج لفواصل، هدفها التمهيد لقدوم المبعوث الجديد إلى ليبيا، ومناقشة كيفية وضع خارطة طريق جديدة تنهي الجمود الحاصل.
إخفاقات محتملة
يرى الكاتب جوناثان أم واينر، في مقاله في معهد الشرق الأوسط، أن المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا السنغالي عبد الله باثيلي، ليس مختصا بالشأن الليبي أو خبيرا في شمال إفريقيا، إذ أمضى مسيرته المهنية في العمل على الصراعات في منطقة جنوب الصحراء، محذرا من أن ذلك قد يضيع أشهرا في جولات دبلوماسية للقاء الشخصيات التي أمضت العقد الماضي في القتال والتأزيم، إضافة إلى الجهات الفاعلة الأجنبية والإقليمية الرئيسية التي لعبت دور صانعي الملوك في ليبيا، حسب جوناثان، الذي سبقه في الإشارة إلى نقصان أهلية باثيلي لأداء هذا الدور، مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة طاهر السني.
فهل ينجح باثيلي في إيجاد حل للأزمة الليبية والوصول إلى الانتخابات؟ أم سيضيع الوقت في عقد لقاءات ومشاورات لا تسمن ولا تغني من جوع؟