يرى الكاتب فهيم تستكين، في مقال نشر بتاريخ 6 أكتوبر 2022 على موقع “المونيتور”، أن توقيع اتفاق الهيدروكربونات بين تركيا وحكومة الوحدة الوطنية بطرابلس أدى إلى شل جهود الأخيرة لتحقيق التوازن في سياستها في البلاد. وأدى أيضا إلى تأجيج العداوات الداخلية والخارجية في ليبيا التي تعيش صراعا محتدما.
وقد رفض كل من رئيس مجلس النواب في شرق ليبيا، عقيلة صالح ورئيس الحكومة البديلة المدعومة من البرلمان، فتحي باشاغا، اتفاق 3 أكتوبر واصفان إياه بـ”غير القانوني والملغى”. كما رفضه العشرات من أعضاء البرلمان والمجلس الأعلى للدولة. وفي رسالة موجهة للأمم المتحدة، قال صالح إن الاتفاق ليس ملزما للدولة الليبية لأن تفويض الحكومة المؤقتة في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة قد انتهى. وحذر من أن الاتفاق قد يزعزع الاستقرار في شرق المتوسط، في حين هاجم باشاغا الاتفاق معتبرا إياه تهديدا للسلام والاستقرار في ليبيا.
من جهته، رسم وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، “صورة وردية”، حيث قال إن كل الجماعات الليبية التي كانت متنافسة في الماضي تدعم بشدة الاتفاق. في الحقيقة، أثار الاتفاق ردود فعل قوية مقارنة بردود الفعل التي أعقبت اتفاقيات حول ترسيم الحدود البحرية والتعاون العسكري التي وقعتها أنقرة مع طرابلس في عام 2019. وقد انضم باشاغا، الذي كان متحالفا مع تركيا في ذلك الوقت، إلى المعترضين.
وتعتمد ردود الفعل على عدة حجج، حيث يصر معارضو الدبيبة على أن ولايته تنتهي في ديسمبر 2021، عندما فشلت ليبيا في إجراء الانتخابات كما هو محدد في خارطة الطريق للأمم المتحدة. ويقولون إن خارطة الطريق لا تسمح للحكومة المؤقتة برئاسة الدبيبة بعقد أي اتفاقات دولية. ويعتبرون أن أنقرة استغلت ضعف الدبيبة لتضعه أمام الأمر الواقع، حيث إن الاتفاق يحتاج إلى موافقة مجلس النواب برئاسة صالح، الذي استبدل الدبيبة بباشاغا.
تموقع
يبدو أن أنقرة تتحول نحو سياسة محايدة في ليبيا في الأشهر الأخيرة، حيث أقامت علاقات مع شرق ليبيا، بما في ذلك البرلمان في طبرق، بعد عامين من الدعم العسكري لطرابلس. واعتبر الكاتب أن توجه وفد تركي ثقيل الوزن إلى طرابلس للتوقيع على الاتفاق هو علامة على أن أنقرة فشلت في الحصول على النتائج المرجوة من تلك السياسة وتقوم الآن برفع الرهان مرة أخرى.
وبين أن توقيع الاتفاق، الذي تبع فشل الجهود التركية في تحقيق المصالحة بين الدبيبة وباشاغا، أظهر أن أنقرة قد انحازت إلى الدبيبة في الصراع حول الشرعية. رغم ذلك، يبدو جاويش أوغلو واثقا من أن حوار أنقرة مع معسكر طبرق بنغازي سيستمر. وأشار إلى أن تركيا ستعيد فتح قنصليتها في بنغازي بمجرد أن تسمح الظروف بذلك. وأبرز أن الاتصال بين البرلمان التركي ونظيره الليبي لا تزال مستمرة.
بين فهيم تستكين أن أنقرة تصم آذانها على الاعتراضات، مدركة أن السياسة الليبية غير مستقرة وقد تتغير الأمور في المستقبل. بالنسبة لأنقرة، الاتفاق يتعلق أساسا بالحفاظ على تموقعها في ليبيا بغض النظر عمن سيأتي إلى السلطة في المستقبل وليس بمنح الفضل للدبيبة. ولكن كما هو الحال بالنسبة للاتفاقين السابقين، تبقى صلاحية الاتفاق محل نزاع دون مصادقة برلمانية. وينص بند في الاتفاق على أنه سيدخل حيز التنفيذ بعد أن يخطر الجانبان بعضهما البعض باستكمال الإجراءات القانونية المحلية ذات الصلة.
وفي خطوة مثيرة للجدل، صرح وزير النفط والغاز، محمد عون أن الدبيبة أوكل مهامه الوزارية لوزير الاقتصاد والتجارة، محمد الحويج قبل الإمضاء على الاتفاق. وفقا للإعلام الليبي، يدعي عون أن الدبيبة قام بالخطوة من أجل تمرير اتفاق “مشكوك فيه” مع تركيا “للتنقيب عن النفط والغاز” في المناطق البحرية في شرق ليبيا. ولم يكن عون حاضرا خلال مراسم التوقيع وكان الحويج من وقع الاتفاق.
قلق
اعتبر الكاتب سعي تركيا لسياسة أكثر توازنا في ليبيا مرتبطا أيضا بجهودها لرأب الصدع مع مصر. ومن بين الشروط الأخرى لتطبيع العلاقات، طلبت مصر ضمانات حول ليبيا، بما في ذلك الانسحاب العسكري لتركيا من البلاد. وإضافة إلى دعم الأطراف المتنافسة في ليبيا، كانت كل من أنقرة والقاهرة على خلاف حول حقوق التنقيب على الغاز في شرق المتوسط. وهو ما يعني أن اتفاق الهيدروكربونات مؤشر على أن أنقرة تخلت عن مغازلة القاهرة لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.
أبرز فهيم تستكين أن مصر واليونان هما اللتان تأثرتا أكثر من غيرهما باتفاق أنقرة الجديد مع طرابلس والذي يهدف إلى إضافة جوانب عملية أكثر لاتفاقهما لعام 2019 الذي يحدد المناطق البحرية بين تركيا وليبيا. وقد انتقدت مصر الاتفاق، مرددة نفس المبرر بأن حكومة الدبيبة غير مخول لها إبرام أي اتفاقات دولية. وكان لوزير الخارجية اليوناني مكالمة هاتفية مع نظيره المصري، ومن المتوقع أن يزور القاهرة في 8 أكتوبر الجاري لمناقشة تنسيق أكبر بين اليونان ومصر وقبرص حول المسألة.
ومع ردود الفعل الانتقادية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يظهر أن تركيا تستعد لرياح معاكسة أقوى في شرق المتوسط، حسب قول الكاتب، فالاتفاق الجديد يفتح الباب نحو التنقيب عن النفط والغاز في المناطق البحرية التي حددت في اتفاق 2019 بين أنقرة وطرابلس. وفقا لأثينا، ألغي ذلك الاتفاق بموجب اتفاقية 2020 بين اليونان ومصر، والتي حددت مناطقها الخاصة. وكان جزء من اعتراضات اليونان على الاتفاقية التركية الليبية أنها تجاهلت مطالبة اليونان بمنطقة اقتصادية حصرية عبر جزيرة كريت.
وفي رد على انتقادات اليونان في 5 أكتوبر، ذكر المتحدث باسم حكومة طرابلس، جزيرة كريت على أنها مثال على النزاعات حول المياه الإقليمية مع اليونان، ما يشير إلى نقطة اشتعال محتملة في النزاع، حسب الكاتب.
تركيا ترفع الرهان في ليبيا مرة أخرى
2.2K
المقالة السابقة