في خطوة تعزز المخاوف من تطلعات روسيا لترسيخ وجودها العسكري الدائم في شرق ليبيا، قامت فرقة من السفن الروسية بزيارة “بروتوكولية” لمدة 3 أيام إلى قاعدة طبرق البحرية التابعة للقيادة العامة. وجاءت هذه الزيارة بعد سلسلة من الخطوات الروسية الأخيرة لتوثيق التعاون العسكري مع قائد القيادة العامة خليفة حفتر، بما في ذلك تسليم شحنات أسلحة وعقد لقاءات مكثفة، فضلاً عن نقل قوات روسية إلى شرق ليبيا في الآونة الأخيرة.
سفن حربية
قامت فرقة من السفن الحربية الروسية المُكونة من طراد الحس الصاروخي “فارياج” والفرقاطة “المارشال شابوشنيكوف” بزيارة إلى قاعدة طبرق البحرية لمدة 3 أيام، بعد زيارةٍ أجرتها إلى جمهورية مصر العربية، بالتزامن مع عيد روسيا الوطني في 12 يونيو، بهدف تنفيذ بمناورات مشتركة مع البحرية المصرية.
حيث أعلنت القيادة العامة أن الزيارة تأتي ضمن “الخطوات العملية لتعزيز التعاون بين روسيا وليبيا واستعادة علاقات الصداقة طويلة الأمد، وتقديم الخبرات الروسية.”
لكن قُرأت هذه الزيارة الروسبة إلى طبرق بأنها أبعد من مجرد “مجاملة دبلوماسية،” فهي عمليا تأتي في سياق جهود روسية متصاعدة لترسيخ وجودها العسكري في شرق ليبيا، في ظل تقارير غربية عن عزم روسيا إنشاء قاعدة بحرية عسكرية تمنح الرئيس فلاديمير بوتين موطئ قدم لا يقدر بثمن على ضفاف المتوسط وإطلالة على الجناح الجنوبي لحلف النيتو، عدو موسكو الأزلي.
سابقات الزيارة
ولا تعد هذه الزيارة البحرية الأولى من نوعها، بل سبقتها عدة خطوات روسية لتوثيق التعاون مع قوات القيادة العامة وقائدها حفتر. ففي أبريل الماضي فقط، سلمت روسيا 5 شحنات كبيرة من الأسلحة إلى القيادة والعامة عبر البحر إلى ميناء طبرق.
وكانت فواصل قد نشرت تسجيلا مرئيا حصريا من ميناء الحريقة بطبرق يظهر سفينة للقوات البحرية الروسية تُنزل شاحنات وأسلحة ومعدات عسكرية، حيث أكدت مصادر فواصل أن هذه الدفعة هي الخامسة على الأقل من التجهيزات العسكرية التي وصلت إلى طبرق خلال 45 يوما قبلها، منوهة أن المشرف على إنزالها قوات روسية مستقرة في ميناء طبرق.
كما كثفت موسكو في الآونة الأخيرة من اجتماعاتها المباشرة مع حفتر، حيث زار نائب وزير الدفاع الروسي يونس بيك يفكوروف بنغازي في 31 مايو الماضي، وكانت هذه زيارته الخامسة منذ أغسطس 2023، وهو مؤشر لا تخطئه الأعين على متانة العلاقة الروسية مع حفتر والتنسيق المباشر بين الطرفين على أعلى المستويات.
بديلا لفاغنر
وتشير هذه الاجتماعات المكثفة إلى أن روسيا تعمل على تشكيل ما يسمى “فرقة أفريقيا” في ليبيا من المقرر اكتمالها نهاية صيف 2024، لتحل محل مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية المنحلة. وقد تتمركز هذه القوة في ليبيا، لكنها ستكون قادرة على العمل أيضاً في دول الساحل الإفريقي مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو والمنطقة.
حيث أكد مشرّعون أمريكيون أبرزهم السيناتور بمجلس الشيوخ بيت ريكيتس المخاوف التي وصفها بـ”الجدية” حول إنشاء قاعدة بحرية روسية في ليبيا، وقد كشف ريكيتس أن موسكو أرسلت هذا العام قوات خاصة روسية وآلاف المرتزقة من ساحة المعركة الأوكرانية إلى ليبيا، خاصة عقب لقاء بوتين وحفتر في سبتمبر الماضي، مؤكدا ”رأينا سفنًا روسية تفرغ آلاف الأطنان من المعدات العسكرية في طبرق، مما يحول شرق ليبيا فعليًا إلى محطة وزن روسية لأماكن مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو،”
ووفقاً لمشروع التحقيق الغربي “كل العيون على فاغنر”، فقد نقلت روسيا في الأشهر الأخيرة ما لا يقل عن 1800 جندي ومقاتل إلى ليبيا، معظمهم وصلوا مناطق الشرق والجنوب الليبي. لكن السفارة الروسية في ليبيا نفت هذه المعلومات وقالت إنها “مزيج من نصف حقائق وأكاذيب”.
استراتيجية روسية
لا يأتي هذا التمدد العسكري الروسي في شرق ليبيا بمعزل عن استراتيجية موسكو الأوسع لتوسيع نفوذها في منطقة البحر المتوسط وشمال أفريقيا. فروسيا تسعى لإقامة نقاط ارتكاز وقواعد عسكرية جديدة في المنطقة، كجزء من مواجهتها الاستراتيجية مع الغرب والناتو.
ويرجح أن يتعزز وجود موسكو في المتوسط قاعدتها المفترضة في ليبيا وقاعدة حميميم الجوية جنوب شرق مدينة اللاذقية في سوريا، سوريا. والتي تتشارك في بعض مسارات الهبوط مع مطار باسل الأسد الدولي، لكنها فقط محصورة للعمال الروس.
المدينة العسكرية
ولا يبدو أن الحديث عن القاعدة البحرية الروسية يدور بمعزل عن إعلان سابق للقيادة العامة منتصف مايو الماضي، عن الشروع في إنشاء “مدينة عسكرية ضخمة” للتدريب على مختلف الأسلحة والعلوم الأمنية غرب بنغازي.
حيث ستمتد المدينة العسكرية على مساحة 5467 هكتاراً، وستضم ميناءً بحرياً مجهزاً وكذلك مطاراً عسكرياً بكامل مرافقه، ما يلمح إلى إمكانية أن تستضيف هذه المدينة العسكرية الواسعة أيضاً قوات روسية، في ظل التنسيق العسكري المكثف بين موسكو والقيادة العامة.
زيارة روسية “بروتوكولية” أم ترسيخ الوجود العسكري؟ هذا هو السؤال الذي تطرحه التطورات الأخيرة في ليبيا، حيث يُنظر للخطوات الروسية المتسارعة في شرق البلاد كإشارة إلى رغبة حقيقية لدى موسكو في إنشاء قاعدة عسكرية دائمة في البلاد، بينما تصر روسيا على أن هذا التواجد ليس سوى تعزيز للعلاقات التقليدية والتعاون مع حلفائها في ليبيا.