تختلط الأوراق في المشهد الليبي، منها السياسية والاقتصادية والمالية وغيرها، ويعلو الآن صوت خفت زمانا، وإن شئت قل: يعلو حينا ويخفت طويلا، الورقة التي استخدمها المجتمع الدولي زمن الثورة الليبية، لاحق بها مرتكبي الجرائم وطاردهم، وأصدر بطاقات حمراء للشرطة الدولية لتعقبهم وإحضارهم.
ورقة حقوق الإنسان تتصدر المشهد هذه الآونة، فالمحكمة الدولية تجدد نشاطها في ليبيا، وتبدأ في إصدار مذكرات قبض ضد من وصفتهم بمنتهكي القانون الدولي ومرتكبي جرائم ضد الإنسانية.
يأتي النشاط الدولي اتجاه منتهكي حقوق الإنسان بعد لجوء عدة أشخاص من داخل ليبيا للقضاء الدولي لأخذ حقوقهم والإدلاء بشهادات ضد من مارس في حقهم أنواعًا من الظلم والإخفاء القسري والتعذيب بحسب ما ينشر من الجهات الدولية ذات العلاقة.
القضاء المحلي
يتساءل الكثيرون لماذا لجأ ضحايا الانتهاكات إلى القضاء الدولي عوضا عن القضاء المحلي، هل هو إدراكهم بعجز القضاء في الإيفاء بحقوقهم، أم هي خشية نفوذ الأطراف المتورطة في الانتهاكات وعدم قدرة المظلومين على الوصول لإجراءات العدالة؟
الجنائية الدولية
كشفت المحكمة الجنائية الدولية إصدارها مذكرة اعتقال بأغلبية أعضائها، بحق آمر جهاز الشرطة القضائية أسامة نجيم في الـ18 من يناير الجاري، لاتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
كما أعلنت ملاحقتها 7 ليبيين بمذكرات توقيف ما زالت معلقة، أبرزهم سيف الإسلام القذافي، والآخرون هم: عبدالرحيم خليفة الحجاجي، مخلوف أرحومة دومة، ناصر محمد ضو، محمد الصالحين السالمي، عبدالباري عياد الشقاقي، فتحي فرج الزنكال.
الجنائية الدولية تقول: إن إيطاليا اعتقلت آمر جهاز الشرطة القضائية أسامة نجيم بناءً على طلب المحكمة، مستغربة إفراج السلطات الإيطالية عنه بشكل مفاجئ ونقلته إلى ليبيا دون إخطار المحكمة، مطالبة بتوضيح عاجل من إيطاليا بشأن هذا الإجراء، معتبرة أنه يثير تساؤلات حول التزام إيطاليا بالتعاون مع المحكمة.
العفو الدولية
اعتبرت منظمة العفو الدولية تسليم السلطات الإيطالية آمر جهاز الشرطة القضائية أسامة نجيم بعد أن اعتقلته بناءً على مذكرة توقيف سرية صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، صفعة موجعة للضحايا والناجين وللعدالة الدولية برمّتها، وفرصة ضائعة لكسر حلقة الإفلات من العقاب في ليبيا.
العفو الدولية نوّهت إلى توثيقها “انتهاكات مريعة” في سجن معيتيقة الخاضع لسيطرة جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في طرابلس، بما فيها جرائم يشملها القانون الدولي، مؤكدة أنه لا أحد فوق القانون وأنه لا يجوز تأمين ملاذ للأشخاص المشتبه في ارتكابهم جرائمَ دولية.
الرئاسي
المجلس الرئاسي يحث وزارة الخارجية بحكومة الوحدة على التواصل مع البعثة الليبية الدائمة في جنيف، للحصول على تقرير شامل خلال أسبوع، حول آخر التطورات المتعلقة بحقوق الإنسان، والعدالة الانتقالية، والمصالحة الوطنية في ليبيا، جاء ذلك تزامنا مع تداول نشطاء مقاطع فيديو لحالات تعذيب وانتهاكات لمحتجزين يزعم أنها داخل سجن قرنادة التابع لـ “القيادة العامة”
ويتضمن الطلب الذي حصلت فواصل على نسخة منه، طلب معلومات حول مدى تنفيذ توصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي قدم سنة 2023، بالإضافة إلى أي تقارير أو مراسلات لاحقة تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.
المسار الحقوقي
المجلس الرئاسي كانت له خطة تتضمن المسار الحقوقي الذي يهدف إلى تعزيز التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وبقية المسارات المنبثقة عن مؤتمر برلين، المسار الأمني الذي يركز على دعم القيادة العامة ووقف إطلاق النار، ومسار المصالحة والعدالة، الذي يتضمن مشروع قانون للعدالة الانتقالية ومفوضية عليا للمصالحة.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة، إلا أن تأخر إقرار مشروع قانون العدالة الانتقالية من مجلس النواب، بالإضافة إلى تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان في سجن قرنادة، تلقي بظلال من الشكوك على سرعة تطبيق الخطة.
لطالما تماهى المجتمع الدولي مع الأطراف الليبية شرقا وغربا وسط تمترس كل طرف في موقعه دون تقديم تنازلات، لدفع العملية السياسية إلى الأمام، فهل حان الوقت لاستخدامه العصا عوضا عن الجزرة؟