كشف التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية، الذي يصدره مكتب مراقبة ومكافحة الاتجار افتقار ليبيا إلى القدرة المؤسسية وقوى إنفاذ القانون والجمارك والعسكريين، على وجه الخصوص على طول الشريط الحدودي للبلاد، قد تسبب في إعاقة جهود السلطات في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، على الرغم من أن القانون الليبي يجرم بعض أشكال الاتجار في الجنس، لكنه لا يجرم الاتجار بالعمال.
وأبقى تقرير الخارجية الأميركية، حول الاتجار بالبشر في العالم، ليبيا في قائمة الدول التي تشهد “حالة خاصة” للسنة الـ9 على التوالي، وبرّر التقرير الإبقاء على هذا التصنيف بعجز حكومة الوحدة الوطنية عن السيطرة بشكل فعال على مساحات شاسعة من الأراضي الليبية.
عقبات في مكافحة
وأوضح التقرير أنه من بين العقبات، التي حالت دون تنفيذ القوانين المخصصة بمكافحة الظاهرة، عدم عمل النظام القضائي الجنائي الليبي بكامل طاقته، الذي يتفقد إلى وحدات إدارية ومحاكم متخصصة للإشراف على قضايا الاتجار بالبشر، مضيفا أن سلطات إنفاذ القانون والسلطات القضائية ما افتقرت كثيراً إلى فهم جرائم الاتجار بالبشر.
وكانت وزارة الداخلية المسؤولة اسميا عن الجهود، لكن في بعض الأحيان تكفلت بالمهمة المجموعات المسلحة المتفرقة التي كانت تتلقى رواتب من الحكومة، وتمارس أنشطتها دون تدريب رسمي، وبدرجات متفاوتة من المساءلة. وكان مرتكبو انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم الاتجار بالبشر، يعلمون أنهم سيفلتون من العقاب بسبب عدم كفاية الإطار القانوني، وضعف القدرة على إجراء التحقيقات الجنائية والملاحقات القضائية.
تورط جهات رسمية
وأبلغ المراقبون الدوليون عن تواطؤ ممنهج للجهات الرسمية في جرائم الاتجار بالبشر، وفي بعض الأحيان ارتكابها بشكل مباشر، بما في ذلك مسؤولو خفر السواحل ومسؤولو الهجرة والأمن، وأعضاء الجماعات المسلحة المدمجة رسميا في مؤسسات الدولة، بحسب التقرير.
وكشف التقرير ما وصفه تسلل فصائل مسلحة وميليشيات وشبكات إجرامية مختلفة إلى الرتب الإدارية للحكومة، والمشاركة في أنشطة غير نظامية، بما في ذلك الاتجار بالبشر. وبالاستناد إلى مصادر عدة موثوقة، تم الإبلاغ عن أن عناصر تأمين مركز الاحتجاز التابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية والموظفين الإداريين أجبروا المهاجرين المحتجزين، بما في ذلك الأطفال غير المصحوبين بمرافقين، على العمل في المراكز ومواقع أخرى مثل المزارع ومواقع البناء.
ضحايا بالآلاف
وفق تقديرات منظمات دولية، صدرت في يناير، فإن ما بين 4 آلاف و10 آلاف مهاجر ولاجئ، بما في ذلك على الأرجح العديد من ضحايا الاتجار غير المعروفين، كانوا محتجزين في 11 مركز احتجاز تابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، وعددًا غير محدد من مراكز الاحتجاز غير الرسمية الخاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة المتحالفة مع حكومة الوحدة الوطنية، وقد تعرضوا لعدد من الانتهاكات شملت الاتجار بالجنس والعمالة.
وتقدر المنظمة الدولية أن آلافاً آخرين احتُجزوا بشكل غير قانوني في مرافق تسيطر عليها الجماعات المسلحة أو في مراكز سرية.
وانطلاقا من مارس 2024، كان جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية يدير ما لا يقل عن 30 مركزا رسميا للاحتفاظ بالمهاجرين.
ورغم أن ليبيا طرف في بروتوكول الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالبشر لعام 2000، فإن حكومة الوحدة الوطنية كانت تفتقر إلى القدرات المؤسسية والموارد اللازمة لمنع وقوع الاتجار بالبشر، إذ لم يكن لها هيئة أو مؤسسة تنسيق وطنية مسؤولة عن مكافحة الظاهرة، ولم تقم بأي حملات توعية عامة لمكافحة الاتجار بالبشر.
ولم تتخذ السلطات، وفق التقرير، إجراءات للحد من الطلب على أعمال الجنس التجارية ولم تبلغ عن الخطوات اللازمة لمنع تجنيد الأطفال واستخدامهم من قِبل الجماعات المسلحة التابعة لها أو المتحالفة معها أو غيرها من الجماعات المسلحة العاملة في جميع أنحاء البلاد.
امتهان الجنس
وكشف التقرير أيضا ارتفاع معدل انتشار الاعتداءات الجنسية وغيرها من أشكال العنف الجنسي والاستغلال ضد المهاجرات على طول طرق الهجرة إلى ليبيا، وفي مرافق الاحتجاز التي يديرها جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وقال التقرير إن من بين مرتكبي العنف الجنسي ضد المهاجرات مجموعات مسلحة مختلفة ومهربو بشر ومسؤولون في وزارة الداخلية، هذا إضافة إلى تقارير المنظمات غير الحكومية الدولية المقيمة في ليبيا، والتي تفيد بأن الرجال والفتيان المهاجرين يتعرضون بشكل متزايد للاغتصاب، وغيره من أشكال الاعتداء الجنسي.
وتجبر شبكات التجارة بالجنس، بحسب التقرير، النساء والفتيات من جنوب الصحراء الكبرى لامتهان الجنس في بيوت الدعارة، خاصة في مدن أوباري وسبها ومرزق جنوب ليبيا، حيث تتعرض النيجيريات لخطر متزايد للاتجار بالجنس، حيث تجند العصابات النيجيرية الفتيات من المناطق الريفية وتسهل نقلهن عبر ليبيا للاتجار بالجنس في إيطاليا ودول أوروبية أخرى، وفق منظمة أوروبية غير حكومية.
تجنيد الأطفال
أما عن الجرائم المرتكبة في الشرق الليبي، فقد كشف تقرير الخارجية الأميركية أن منظمة غير حكومية أشارت إلى أن السلطات الليبية في الشرق جندت أو استخدمت الأطفال كجنود خلال فترات سابقة مشمولة بالتقرير .
قائمة سوداء
وأدرج تقرير الخارجية الأميركية، الذي يشمل 188 دولة، 13دولة في القائمة السوداء المتهمة بالتورط بشكل مباشر في الاتجار بالبشر وهي: أفغانستان وبيلاروسيا وبورما والصين وكوبا وإريتريا وكوريا الشمالية وإيران وروسيا وجنوب السودان والسودان وسوريا وتركمانستان.
وأعلن وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، أن واشنطن تدرس في نسخة 2024 الدور المتزايد للتكنولوجيا الرقمية في الاتجار بالبشر.