كشف رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة عن تصاعد حدة الخلاف مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بشأن آلية إقرار القوانين والتشريعات في البلاد، مشيرا إلى استمرار إصرار صالح على التفرد باتخاذ القرارات دون تشاور، على حد وصفه.
وكان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، قد أكد أمس الاثنين، على أن المجلس هو السلطة التشريعية الوحيدة في هذه المرحلة بحسب الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، مشددًا على عدم وجود أي شريك له في إصدار القوانين، مضيفا أن التشاور مع مجلس الدولة مقتصر على المسائل المتعلقة بالانتخابات والاستفتاءات فقط، ولا يمتد ليشمل إصدار القوانين والتشريعات، على حد تعبيره.
تكريس السلطة
وفي بيان نشره المكتب الإعلامي لمجلس الدولة اليوم الثلاثاء، قال تكالة إنه خاطب صالح سابقا “بضرورة إجراء توافقات حول إدارة الشأن العام استنادا لنصوص الاتفاق السياسي، لكنه لم يجد تجاوبا منه بل إصرارا على تكريس سطوته ما يعكس رغبته في تقويض كل مساعي تجاوز الانسداد”.
وأضاف تكالة المقرب من رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، أن صالح يواصل “تجاهل المناشدات المتكررة، وإصراره على التفرد بإدارة مقاليد الأمور بالبلد الذي بلغ حد الافتئات على سلطات تنفيذية، كان آخرها قانون الحج والعمرة، والتي لن تكون الأخيرة.”
وأكد تكالة رفضه “التام لكل ما يصدر عن رئيس مجلس النواب من تشريعات، لا يراعى فيها القيام بإجراء المشاورات اللازمة مع مجلس الدولة،” داعيا حكومة الدبيبة والأجهزة والمؤسسات العاملة بالدولة الليبية، والأطراف والمؤسسات الإقليمية والدولية إلى “عدم الاعتداد بأي تشريعات تصدر عن مجلس النواب، واعتبارها غير ذات أثر، ما لم يصدر عن مجلس الدولة ما يفيد استيفاءها لشروط صحة إصدارها.”
صوابية النواب
بدوره أكد عضو المجلس الأعلى للدولة أبو قاسم، أن مجلس النواب هو الجهاز التشريعي الرئيسي في البلاد، ويشاركه مجلس الدولة بعض الاختصاصات “تتعلق أساسا بالمسار الدستوري والمناصب السيادية،” وليس من بينها القرار الأخير الذي يتعلق بالحج والعمرة.
وفي تصريح لفواصل، تعليقا على بيان تكالة، ذكر قزيط أن أفضل قرار اتخذه مجلس النواب من يوم انتخابه إلى اليوم هو افتكاك هيئة الحج والعمرة من “حكومة السفه،” مشددا على أنه “يجب أن تغل يد حكومة الدبيبة عن العبث وتدنيس المقدسات، باستخدامها الحج للرشوة والمحاباة وشراء الذمم، وأي غيور على دينه ووطنه سيدعم وقف هذه الموبقات،”
الاتفاق السياسي بدعو للتشاور
ويختلف عضو المجلس الأعلى للدولة محمد معزب، مع زميله قزيط في تأييد موقف النواب، موضحا أن اتفاق الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية سنة 2015، ينص على ضرورة تشاور المجلسين في إقرار القوانين والتشريعات.
وفي تصريح لفواصل تعليقا على بيان تكالة، قال معزب “نبهنا مجلس النواب مرارا وتكرارا بأن الطريق والنهج الذي يسيرون فيه سيؤدي إلى إرباك السلطات التنفيذية والقضائية،” مضيفا أن “مجلس النواب أنهى المدة المقررة له وهي 18 شهرا، في أكتوبر 2015، ولا يجوز له التمديد إلا بإجراء استفتاء شعبي وهذا لم يتم.”
وأوضح معزب أن “صالح ضرب بالاتفاق السياسي عرض الحائط، وبدأ بإصدار القوانين بمخالفة صريحة للاتفاق السياسي والنظام الداخلي لمجلس النواب.”
المادة 13 لا تُلزم النواب
عضو مجلس النواب سليمان سويكر، شدد على أن مجلس النواب “غير مُلزم” بالتوافق مع مجلس الدولة إلا في بعض المواضيع منها المناصب السيادية.
وأضاف سويكر في تصريح لفواصل أن مجلس النواب “حر في إصدار القوانين باعتباره السلطة التشريعية الوحيدة، ويُلزم فقط وفق المادة 13 من الأحكام الإضافية في الاتفاق السياسي عندما يطرح مشروع القانون من قبل الحكومة فقط.”
وتنص المادة 13 من الاتفاق السياسي، على أن تنشأ لجنة مشتركة برئاسة قاضٍ من المحكمة العليا وعضوية ممثلين عن مجلسي النواب والدولة للفصل في أي نزاع قانوني حول تفسير أو تطبيق الاتفاق السياسي. وتتخذ اللجنة قراراتها خلال 14 يوماً من تقديم الطلب، وتكون قراراتها نهائية وملزمة. ويجوز للجنة طلب رأي استشاري من بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عند الضرورة.
استمرار الخلاف وتعطل الانتخابات
ويبدو أن الخلاف بين مجلسي الدولة والنواب حول آلية سن التشريعات والقوانين، لن ينتهي في المدى المنظور، في ظل تباين وجهات النظر وتضارب التفسيرات القانونية من الطرفين.
وسط هذا الجدل المستمر، تبقى مؤسسات الدولة في حاجة ماسة لاستقرار البيئة التشريعية والقانونية، حتى تتمكن من القيام بدورها على الوجه الأكمل، كما تبرز الحاجة الملحة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، بهدف تشكيل سلطتين تشريعية وتنفيذية منتخبتين ديمقراطياً، تتوليان مسؤولية إدارة شؤون البلاد بالتعاون والتشاور.