يتصاعد الخلاف بين المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي ومجلسي النواب والأعلى للدولة، وذلك حول الآلية المثلى لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مطلع العام المقبل، في ظل وجود حكومة الوحدة الوطنية في غرب ليبيا برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد في الشرق.
خلفية المواجهة
ظهر الخلاف جليا بين باتيلي والمجلسين، بعدما اعتمد مجلس النواب، في الـ 25 من يوليو، خارطة طريق لتنظيم الانتخابات وتشكيل سلطة تنفيذية جديدة، عقب تبني المجلس الأعلى للدولة للخارطة في وقت سابق، حيث تنص الخارطة على أن تشكيل حكومة جديدة لا بد أن يسبق تنظيم الانتخابات، حتى تشرف الحكومة على العملية الانتخابية وهي تتمتع بسلطة على كامل التراب الليبي، وهو أمر تفتقده كل من حكومة الدبيبة في طرابلس وحكومة حماد في بنغازي.
بيان البعثة
لكن المبعوث الأممي وبعثته رفضا في بيان خارطة الطريق، معتبرين إياها إجراءً أحادي الجانب لا يسهم في بناء توافق وطني، كما حذرا من عواقب تشكيل حكومة موازية في ظل وجود حكومة معترف بها دولياً، في إشارة إلى اعتراف المجتمع الدولي بحكومة الدبيبة، الذي يبدو حتى الآن المستفيد الأكبر من الخلاف بين باتيلي ومجلسي النواب والدولة.
سخط المجلسين
ورداً على موقف المبعوث الأممي، انتقد الناطق باسم مجلس النواب عبدالله بليحق ما وصفه بـ”المعلومات غير الصحيحة” في بيان البعثة الرافض لخارطة الطريق، مشيراً إلى أن الإجراءات التي اتخذها مجلس النواب تعكس التوافق الليبي الليبي.
وأضاف بليحق أنه “كان من المفترض أن يكون دور بعثة الأمم المتحدة هو دعم تحقيق التوافق بين الليبيين، وهو ما تجسده الإجراءات التي اتخذها مجلس النواب، المتوافقة مع مجلس الدولة” على حد وصفه.
الدولة مع النواب
بدوره، شدد عضو المجلس الأعلى للدولة أبو القاسم قزيط، في تصريح لفواصل، على أن اعتماد النواب للخارطة يعد خطوة كبيرة إلى الأمام وتعزز الأمل في إجراء الانتخابات، مشيراً لمحاولات باتيلي كبح مسار التوافق بين المجلسين.
وفي السياق ذاته، اتهم عضو المجلس سعد بن شرادة البعثة بالتطاول على خيارات الشعب الليبي، قائلاً إن البعثة لم تكن يوماً مع بناء الدولة أو اتفاق المجالس، مضيفا: “عوّدتنا البعثة الأممية دائماً عند الوصول إلى أي اتفاق ليبي ليبي، أن تطعن فيه لضربه وإفشاله”، حسب تعبيره.
النواب مع الدولة
نقد أعضاء الدولة وجد صداه عند عدد من النواب، أبرزهم عصام الجهاني، وأسماء الخوجة، وربيعة أبوراص، الذين أجمعوا على أن البعثة تتجاوز صلاحياتها وتمارس أدوارا خارج اختصاصاتها، معتبرين ذلك تدخلا سافرا في شؤون ليبيا.
دعم مصري
كما جاء موقف مصر مؤيدا بشكل ضمني لخارطة المجلسين وتشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة الدبيبة، حيث أكد المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، أن مصر تدعم بشكل كامل المسار الليبي الليبي، مشدداً على أهمية احترام دور المؤسسات الليبية، داعيا الأطراف الدولية إلى عدم المساس بالسيادة الليبية.
باتيلي يهاجم
الانتقادات لبيان البعثة المتحفظ على الخارطة، لم تزد باتيلي إلا تمسكا بموقفه الرافض لها، ليفتح النار صراحة على المجلسين، متهماً إياهما بالسعي لتقاسم السلطة والمناصب، ومحذراً من مزيد من المماطلة في إجراء الانتخابات.
فخلال كلمته في منتدى بطرابلس، أكد باتيلي أن مستقبل ليبيا يجب ألا يعتمد على المجلسين فقط، مشددا على أن كل من يريدون مرحلة وحكومة انتقالية جديدة، إنما يريدون تقاسم الكعكة، وسيذكرهم التاريخ على هذا الشكل.
10 سنوات في السلطة
وأضاف الدبلوماسي السنغالي أن على المجلسين بعد مرور أكثر من 10 سنوات في السلطة، التحلي بالمسؤولية الأخلاقية لتجديد شرعية العمل المناط بهما، وتهيئة الظروف المناسبة للانتخابات لتجديد الشرعية، مؤكدا أنه لا يمكن أن تقوم لليبيا قائمةٌ إذا كان رئيس مجلس النواب غير قادر على السفر لطرابلس ومصراتة، لكن يمكنه السفر لأي بقعة في العالم.
وأوضح باتيلي أن البعثة لا تنحاز لأي طرف على حساب آخر، أو منطقة على حساب أخرى، بل هي في ليبيا لتقديم الدعم لإحلال السلام والاستقرار، مشيرا أن الوقت قد حان لإكمال القوانين الانتخابية من أجل كل الناخبين الليبيين الذي سجلوا للمشاركة في الانتخابات واختيار قادتهم.
المجتمع الدولي وراء باتيلي
موقف باتيلي الصلب، يستند على دعم دولي صريح، ففي بيان مشترك الجمعة، أكدت سفارات أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا دعمها لموقف باتيلي في التوصل لاتفاق سياسي شامل يؤدي إلى إجراء الانتخابات في أقرب وقت.
كما طالبت سفارات الدول الخمس بضرورة معالجة العناصر المتنازع عليها في الإطار الانتخابي، لجعلها قابلة للتنفيذ، وتأمين الاتفاق السياسي الشامل على طريق الانتخابات من خلال مساحة متكافئة لجميع المرشحين، مشيرة إلى أن “المناقشات حول خارطة الطريق يجب أن تكون جزءا من المفاوضات السياسية الأوسع التي تيسرها الأمم المتحدة.”
مآل الصراع
وفي المحصلة، يظل الشارع الليبي منقسماً حول السبيل الأمثل لتجاوز الأزمة وتلبية تطلعات الشعب في إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وسط تباين حاد بين مواقف الأطراف المحلية والدولية.
ويبقى السؤال مطروحاً حول قدرة الفرقاء الليبيين والمجتمع الدولي على تذليل العقبات والتوصل إلى صيغة توافقية، لضمان إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده وبما يحقق طموحات الشعب الليبي في الاستقرار والتغيير.