الانسداد هو سيد المشهد في ليبيا، وسط ديناميكية المشهد الإقليمي والعالمي، وما زال كل طرف، سواء شرقًا أم غربًا، متشبثًا بموقفه، مع محاولات من البعثة الأممية لتحريك المياه الراكدة وزحزحة العراقيل.
وحتى الآن، ما يحكم المشهد الليبي هو اتفاق النفط غير المعلن، الذي جرى بمباركة تركية-إماراتية في يوليو 2022 بين رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة وصدام، نجل قائد “القيادة العامة” خليفة حفتر. الاتفاق نص على فتح النفط، إعادة إنتاجه، وتغيير قيادات المؤسسة الوطنية للنفط.
تجديد الاتفاق
مع مرور الوقت، بدأت بنود الاتفاق تتفكك قبل أن تُنفذ بالكامل، ووصلت نقاط الخلاف بين الطرفين إلى طريق مسدود.
لكن مع مرور الوقت، لاحت فرصة جديدة للبناء على الاتفاق السابق وتطويره، وذلك في أزمة المصرف المركزي التي فشلت بسبب عدم رضا حفتر. تدخلت البعثة الأممية على الخط ونجحت في إبرام اتفاق بين ممثلي مجلس النواب ومجلس الدولة، انتهى باختيار محافظ جديد للمصرف المركزي وتشكيل مجلس إدارة جديد.
واعتبر الكثيرون أن نجاح البعثة في هذه الخطوة يمكن أن يُستثمر لإيجاد حل شامل يؤدي إلى اختيار حكومة موحدة وإجراء انتخابات.
خطة ستيفاني
بعد أسابيع قليلة من تجاوز أزمة المركزي، قدمت ستيفاني خوري خارطة طريق تشمل إطلاق حوار سياسي لإيجاد حل لمعضلة الانسداد الحاصل. لكنها اكتفت بالإعلان عنها فقط، ودخلت بعدها في عطلة نهاية العام.
محاولة الطرفين
إعلان خوري عن خارطة جديدة دق ناقوس الخطر للطرفين، ما دفعهما إلى المضي في الترتيبات السابقة بالتفاوض لإنجاز ميزانية واحدة وترتيبات مالية جديدة.
قلبت الطاولة
المعطيات على الساحة الدولية أثرت على المشهد داخل ليبيا؛ فالأحداث السريعة في سوريا قلبت الطاولة وخلطت الأوراق، ولم تترك فرصة لإعادة الحسابات، مما جعل الجميع يترقب تداعيات هذه الأحداث على المنطقة.
تداعيات السقوط
في أول زيارة بعد سقوط الأسد، حط رئيس المخابرات المصرية، حسن رشاد، رحاله في بنغازي يوم الأحد الماضي، ليبحث مع حفتر التطورات الإقليمية والمحلية، مؤكدين أهمية دعم الجهود للدفع بالعملية السياسية في ليبيا بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
الغريب في زيارة رئيس المخابرات المصرية الخاطفة لبنغازي، هو تجاوزه لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح وتهميشه، الأمر الذي قد يحمل في طياته دلالات ومعطيات جديدة على طبيعة المشهد القادم.
الجنوب ومحيطه
وفي خضم هذه الأحداث الدولية والإقليمية، ظهرت معطيات جديدة على الأرض. شهد الأسبوع الماضي تحركات عسكرية من آمر اللواء 128، حسن الزادمة، واقتحامه لمعسكرات الكتيبة 77 في سرت، الموالية لصدام حفتر، بقيادة محمد المزوغي.
وتزامنت هذه التحركات مع ترتيبات ذات أبعاد عسكرية وسياسية. جرى لأول مرة اجتماع عبدالله السنوسي بأعيان قبيلته “المقارحة” في سجن الردع، تحت رعاية المجلس الرئاسي.
السنوسي، وإن كان يقبع في السجن، ما زال له نفوذ كبير في الجنوب الليبي. فهو من سمح بدخول قوات حفتر إلى الجنوب بعد أحداث “براك الشاطئ” التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص، مما أنهى دور القوة الثالثة التي كانت تؤمن الجنوب ومهد لدخول حفتر.
تحركات أخرى
شهد الجنوب تحركًا لقوات 101 التابعة للواء طارق بن زياد، حيث انطلقت قافلة عسكرية من سبها مساء الإثنين باتجاه الجنوب الغربي، وسيطرت على معسكر جبل تيندي، الذي كان يخضع لآمر منطقة سبها العسكرية علي كنة، التابع للمجلس الرئاسي.
وفي منتصف ديسمبر، ظهرت تحركات لقوات محسوبة على تيار 17 فبراير باتجاه منطقة بوقرين، بقيادة شخصيات بارزة مثل إبراهيم الجضران وأخرى مقربة من المهدي البرغثي.
قرب العاصمة
الأحد الماضي، تجمع معارضو الدبيبة في لقاء مصالحة بجنزور، حضره رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ومدير المخابرات حسين العايب، والنائب بالمجلس الرئاسي عبد الله اللافي. طوى الخصوم خلافاتهم، إلا أن المشهد في طرابلس لا يزال مضطربًا.
الخلاف بين الدبيبة وغنيوة تجلى في أزمة ديوان المحاسبة، فيما ظهرت تحالفات جديدة بين القادة العسكريين داخل العاصمة.
ضغوطات
المشهد الدولي والإقليمي ينعكس على ليبيا بشكل مباشر. ويبدو أن هناك أطرافًا تحرك خيوط اللعبة في محاولة للضغط على الفرقاء الليبيين للتوافق على تشكيل حكومة موحدة، ضمن مشروع قانون “استقرار ليبيا” الذي أقره مجلس النواب الأمريكي.
توقعات
من المتوقع جدا أن هذه الأحداث أن قد ينتج عنها عدة أمور، نوجزها في 3 نقاط، الأمر الأول هو أن يتفق الأطراف على تشكيل حكومة موحدة، ومن ثم يسهل حل باقي الإشكاليات العالقة.
والاحتمال الثاني هو أن يستمر الوضع الحالي على ما هو عليه، ولكن مع تفاهمات بين الطرفين الرئيسين الدبيبة في المنطقة الغربية وحفتر في الشرق والجنوب، وتشمل هذه التفاهمات الاتفاق على ميزانية موحدة.
أما الأخير، فهو أسوأ الاحتمالات وقوعا، إذا لم يتوصل الأطراف على الخيارين السابقين، من المرجح حصول توترات أمنية وعسكرية في العاصمة طرابلس وفي الجنوب، ولربما وصل مداها إلى مناطق الوسط والشرق.