كشف جوناثان واينر، المبعوث الأمريكي السابق إلى ليبيا، في مقالة تحليلية نشرها معهد الشرق الأوسط، عن رؤيته لدور حلف الناتو في مواجهة النفوذ الروسي المتزايد في أفريقيا. وأكد واينر، الذي شغل منصب المبعوث الخاص والمنسق الخاص لليبيا من 2014 إلى 2016، أن ليبيا لا تزال تمثل المفتاح الرئيسي لحلف الناتو لمواجهة الأنشطة الروسية الخبيثة في القارة الأفريقية.
وأشار واينر إلى أن روسيا قد أعادت تسمية الجناح الليبي لقوات فاغنر المرتزقة إلى “فيلق أفريقيا” الذي تسيطر عليه الدولة الروسية بشكل مباشر. وأوضح أن الوجود العسكري الروسي يستمر في التوسع في منطقة المغرب العربي والساحل وأجزاء أخرى من القارة الأفريقية، مما دفع حلف الناتو أخيراً إلى الانتباه لهذا التهديد.
ولفت واينر إلى أن التغلغل الروسي قد تعمق في القوات المسلحة لعدة دول أفريقية مثل بوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا ومالي والنيجر والسودان. وتساءل عما إذا كان الناتو سيتمكن من وقف النفوذ الروسي الضار في أفريقيا أم أن موسكو ستواصل توسعها دون عوائق.
وأكد واينر أن التدخل الروسي في أفريقيا كان منهجياً وانتهازياً على مدى العقد الماضي، حيث بدأ في ليبيا التي لا تزال محورية لنجاحه المستقبلي. وأوضح أن روسيا وافقت على طباعة وتسليم أكثر من 10 مليارات دينار ليبي للقائد العسكري خليفة حفتر، إضافة إلى الدعم العسكري من مجموعة فاغنر.
وأشار إلى أن المرتزقة الروس انتقلوا بعد ذلك إلى السودان لدعم الرئيس السابق عمر البشير مقابل حقوق التنقيب عن الذهب. كما توسع النفوذ الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى منذ أواخر 2017 من خلال تقديم الأسلحة والخدمات الأمنية مقابل حقوق استخراج الذهب والماس.
وأوضح واينر أن الوجود العسكري الروسي في أفريقيا تسارع بشكل أكبر في الفترة من 2020 إلى 2023 في أعقاب الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. وفي كل حالة، استولت مجموعة عسكرية على السلطة وطردت القوات الفرنسية والغربية الأخرى واستبدلتها بقوات روسية.
وأكد واينر أن روسيا ضاعفت من وجودها العسكري في ليبيا منذ أغسطس 2023، حيث قام نائب وزير الدفاع الروسي يونس-بيك يفكوروف بخمس زيارات للقاء حفتر. كما زارت مدمرتان روسيتان قاعدة طبرق البحرية التي يسيطر عليها حفتر في منتصف يونيو 2024.
وأشار واينر إلى أن حلف الناتو بدأ أخيراً في الاستجابة لهذا التوسع الروسي، حيث أصدر في مايو 2024 دراسة رئيسية حول ما يمكن أن يفعله الحلف للتعامل مع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والساحل وأفريقيا جنوب الصحراء لمواجهة “الأسباب الجذرية لانعدام الأمن والإرهاب وعدم الاستقرار”.
وقدم واينر عدة توصيات لحلف الناتو، منها ضرورة بدء حوار مع أفريقيا، ودعم العملية السياسية في ليبيا، وإيجاد طرق للمشاركة في منطقة الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء، ومكافحة الإرهاب من خلال التدريب التقني، ومواجهة التضليل الإعلامي الروسي، وتعزيز “مركز الناتو للجنوب”.
وختم واينر بالتأكيد على أن الناتو والغرب لا يمكنهما مواجهة تحول أفريقيا نحو حكم القادة العسكريين، أو الدور الروسي في تفاقم هذا الاتجاه واستغلاله، دون التصدي للمشكلة التي يمثلها انقسام ليبيا وتنافس زعماء “الميليشيات” فيها، حسب وصفه. وأكد أن ليبيا موحدة لم تعد تحتضن وجوداً عسكرياً روسياً يمكن أن تساعد كثيراً في مواجهة اتجاه حكم الانقلابيين في منطقة الساحل وانعدام الأمن وعدم الاستقرار الذي ينبعث منها.