في ظل التحديات الأمنية والسياسية المستمرة التي تواجهها ليبيا منذ عام 2011، كشف فريق الخبراء المعني بليبيا التابع للأمم المتحدة أحد الأدوات الرئيسية لتعزيز السلام والاستقرار في البلاد، عن تقرير نهائي لفريق الخبراء مؤرخ في 6 ديسمبر 2024.
وتناول التقرير العديد من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية المتعلقة بليبيا، بما في ذلك تأثير الجماعات المسلحة على مؤسسات الدولة، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتهريب الوقود والبشر، وامتثال الدول الأعضاء لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا.
نفوذ الجماعات المسلحة
وسلط التقرير إنه وبعد فشل محاولات، رئيس الحكومة المكلفة من النواب السابق،فتحي باشاغا، في تولي رئاسة الحكومة عام 2022، ازداد نفوذ الجماعات المسلحة على مؤسسات الدولة، مؤكدا هيمنة الجماعات المسلحة في طرابلس على مؤسسات مثل الشركة العامة للكهرباء و مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط.
سيطرة صدام
كما أشار التقرير أن القوات البرية التابعة لـ “القيادة العامة” بقيادة صدام حفتر، استخدمت من جهة أخرى حكومة باشاغا غطاء للسيطرة المطلقة على مهام الحكومة، واستراتيجيتها الخارجية ومصالحها الاقتصادية.
وبحسب التقرير فإن نشاط ونفوذ صدام حفتر إزداد في الفترة الأخيرة، وكشف العديد من الانتهـ ـاكـ ـات الحقوقية، موضحاً ارتباطه بالحكومة بالنيجر والتي أدت إلى إعادة هيكلة عمليات قواته في مثلث السلفادور، كما جرى تعزيز وجودها في منطقة براك الشاطئ، وغات والقطرون، وسبها وأوباري في جنوب غربي ليبيا في أوائل أغسطس 2024.
وركز التقرير أيضا إلى أن القوات التابعة لنجل حفتر، قامت بالعديد من الأنشطة الغير المشروعة عبر الحدود، بما في ذلك الاتجـ ـار بالبشر وتهريـ ـب الذهب، كمصدر للتمويل، ونقل شحنات من مخدر الكوكايين غرب أفريقيا إلى ليبيا عبر النيجر.
الأصول المجمدة
ورصد تقرير اللجنة انتهـ ـاكـ ـات بشأن تجميد الأصول الليبية، مشيراً إلى اكتشاف عدم امتثال 10 دول و16 مؤسسة مالية للعقوبات المالية المفروضة على ليبيا، مما أدى إلى تآكل الأصول المجمدة.
وأوضح التقرير أن 10 دول أعضاء و16 مؤسسة مالية لم تلتزم بشكل متكرر بتجميد الأصول، وقد تسببت بعض حالات عدم الامتثال في تآكل الأصول المجمدة، حيث استمرت الممارسات غير المتسقة في فرض رسوم الفائدة السلبية ورسوم الإدارة، وتنفيذ إدارة الأصول النشطة، وإيداع الدخل على الأموال المجمدة، في تجاهل للقرارات ذات الصلة.
تهريب الوقود
التقرير كشف أيضا عن تمتع الجماعات المسلحة بنفوذ كبير على عائدات النفط وسلسلة الإمداد بالوقود، بالإضافة إلى سيطرتها على العديد من الكيانات ذات الصلة في القطاعين العام والخاص.
كما ذكر التقرير أن شركة خاصة لتسويق وبيع النفط الخام استخدمت خارج نطاق السيطرة التقليدية لكل من مؤسسة النفط والمصرف المركزي، وهي شركة أركنو التي تخضع لسيطرة صدام حفتر بشكل غير مباشر، إذ أبرمت مؤسسة النفط مع الشركة العديد من اتفاقيات تقديم الخدمات، بالصيغة التي وافقت عليها حكومة الوحدة، في الفترة ما بين مايو وسبتمبر 2024، صدرت شركة أركنو 6 ملايين برميل من النفط الخام بقيمة إجمالية 463 مليون دولار.
وأكد التقرير استخدام الشركة العامة للكهرباء في ليبيا لشراء الوقود الزائد بغرض تصديره بطريقة غير مشروعة.
ولفت التقرير أيضا زيادة كبيرة في إيرادات الجماعات المسلحة من تهريب الديزل، حيث تستخدم الشركة العامة للكهرباء في طرابلس وميناء بنغازي القديم لتحويل وجهة كميات كبيرة من الديزل، مما يؤثر على المؤسسة الوطنية للنفط وشركة البريقة لتسويق النفط.
حقوق الإنسان
التقرير أفاد أيضا أن خمس جماعات مسلحة ليبية ارتكبت انتهاكـ ـات منهجية للقانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان، بما في ذلك الاحتجـ ـاز التعسفي والقتل والتعذيب وتدمير الممتلكات المدنية خاصة في بنغازي وطرابلس.
حظر الأسلحة
وأوضح التقرير الصادر في ديسمبر 2024، استمرار عدم فعالية حظر الأسلحة في ليبيا، مشيرا إلى أن قوات حفتر زادت من عتادها البحري، كما لفت إلى أن النزاع في السودان أثر بشكل مباشر على أمن ليبيا واستقرارها، وأن وجود مقاتلين أجانب وشركات عسكرية خاصة يزيد من زعزعة الاستقرار.
توصيات أممية
وأوصى الفريق بإدخال تعديلات على تجميد الأصول للسماح لهيئة الاستثمار الليبية بإعادة استثمار الأصول المجمدة ضمن ضمانات مناسبة وفقًا للقرار 2701 (2023)، لافتا إلى أن اللجنة وجدت أن خطة الاستثمار التي وضعتها هيئة الاستثمار الليبية تفتقر إلى الشمولية والشفافية واتساق البيانات، مما أدى إلى تضخيم الأصول غير المستثمرة.
توقيت التقرير
يأتي تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة في وقت حساس للغاية للوضع الليبي، إذ تشهد البلاد تحولات سياسية وأمنية كبيرة، في ظل محاولات وخطط بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التي تسعى من خلالها إلى وضع حد للأزمة الراهنة، إضافة إلى التوترات الإقليمية والدولية التي تشهدها المنطقة.
دلالات التقرير
يعتبر تقرير فريق الخبراء رسالة واضحة إلى العديد من الأطراف المحلية، يدعوها إلى الالتزام بالقوانين الدولية والامتناع عن إعاقة قدرة مؤسسات الدولة على القيام بواجباتها خارج نطاق مصالح الجماعات المسلحة، إضافة إلى أن التقرير يعكس أهمية دور الأمم المتحدة في مراقبة الأوضاع الليبية وضمان تنفيذ القرارات الدولية.
إنشاء اللجنة
وأنشئ فريق خبراء الامم المتحدة المعني بليبيا بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي بهدف مراقبة تنفيذ الحظر المفروض على الأسلحة إلى ليبيا، ومكافحة الانتهاكات المتعلقة بالموارد الاقتصادية، وتقصي الحقائق حول انتهاكات حقوق الإنسان.
دور الخبراء
مع استمرار الأوضاع المعقدة في ليبيا، يبقى دور فريق الخبراء حاسمًا في تحقيق الاستقرار طويل الأمد، ومع ذلك، يتطلب الأمر تعزيز التعاون الدولي والإقليمي، وزيادة الموارد المالية والبشرية المخصصة للفريق، بالإضافة إلى تعزيز آليات التنفيذ لضمان امتثال جميع الأطراف للقوانين الدولية.
لكن السؤال هل يعد تقرير فريق الخبراء المعنى بليبيا الأخير مقدمة للضغط على الأطراف من أجل القبول بتسوية سياسية؟